لم يعد وارداً في ذهن الجميع، بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، أن الحل العسكري ما زال ممكناً، أو أنه سيحقق أكثر مما فعل منذ اندلاع الحرب في 26 مارس (آذار) 2015.
ثم جاء التغيير الذي تم فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022 الذي تشكل بموجبه مجلس القيادة الرئاسي ليؤكد هذا السياق وبدء البحث عن مسار سياسي يضع حداً نهائياً للحرب وللمأساة الإنسانية، وليمنح اليمنيين واحدةً من الفرص التي قد لا تتكرر والتي إن حدثت، ربما أسهمت في استقرار البلاد.
لقد صار من الطبيعي إصابة الناس بالشكوك حد اليأس مع أي تغيير يتمنون أن يحدث فرقاً في حياتهم بعد سنوات طويلة من الإهمال والفساد وانهيار كل الخدمات وعجز الإدارات المتتالية، ويكفي التذكير بأن العاصمة المؤقتة عدن تعيش من دون تيار كهربائي منذ سنوات، وبلا خدمات أساسية، ومن دون جهاز أمني موحد في ظل تنازع السلطات داخلها، مما عطل محاولات انتشالها والمحافظات المجاورة من الفوضى، والظلام، والمرض، والفقر... ولم يعد مقنعاً الاكتفاء بالحديث عن الأسباب لأن الناس لم تر جهداً جاداً نزيهاً لإنقاذهم.
لقد تحدثت مراراً عن أن الحديث عن دمج القوات العسكرية الخاضعة لقيادات متصارعة، التي تشكلت لأهداف متناقضة، هي فكرة وطنية عظيمة، ولكنها بالمطلق غير عملية وغير قابلة للتنفيذ الآن، واقترحت عوضاً من ذلك إنشاء غرفة عمليات مشتركة لهذه القوات تكون مهمتها الفورية الوحيدة ضبط الأمن في عدن والمحافظات الجنوبية بدايةً. إن حجم التنافر بين مكونات القوى المسلحة بلغ حداً يصعب معه التفكير في دمجها قبل توحيد رؤى قياداتها حول مشروع يلبي احتياجات الناس أولاً، مع التذكير بأن المهمة الأولى التي أوكلت إليهم في 7 أبريل 2022، هي البحث عن سبل الدخول في مشاورات سياسية تفضي إلى وقف الحرب نهائياً.
لقد تخلت الأحزاب عن مهمتها في الاقتراب من الناس والتعبير عن آرائهم وأفكارهم، وفضلت قياداتها التماهي مع الحاكم والاستفادة من قربها منه، وإذا ما استمرت اليوم في ممارسة الأسلوب ذاته، فإنها سترسخ في الأذهان أنها عاجزة عن التعبير عن قضايا الناس وغير معنية بها أصلاً، وهكذا تكون تركت الساحة حكراً على تنظيمات غير منضبطة وغير معترِفة بالدولة القائمة، على هشاشتها، كمظلة تحمي الجميع.
إنه لمن الحيوي أن يعي أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مجتمعين أن المواطن البسيط فقد الثقة بكل ما يعلنه من إجراءات وتعيينات، بل على النقيض فهو ينظر إليها كمحاولة للإلهاء والانشغال بما لا يعود بالنفع على المصلحة العامة. كما أن قضية الجمع بين المهمات السيادية لبعض الأعضاء ومهماتهم المحلية تثير لغطاً كبيراً ولا يُستحسَن الإبقاء عليها قضيةً مفتوحة إلا إذا كان هؤلاء غير مقتنعين بأهمية الموقع الأعلى الذي تم وضعهم فيه، ويرون أنه أقل فائدة لهم من الموقع المحلي على الصعيدَين الشخصي والوطني.
سيبقى الناس مترددين في منح ثقتهم للمجلس الجديد وغير مكترثين بما يتم الإعلان عنه، ولكي يتمكن من إحداث تغيير إيجابي في الوعي العام تجاه سلطات الدولة، فإن عليه العمل سريعاً لإيجاد حلول لقضايا أدرك أنها معقدة، لكنه في الأساس جاء لوضع قواعد عملية للتعامل معها، ومن المؤسف أن الذي يراه الجميع، عدا جوقة حملة المباخر المعروفين، مثير للشكوك حول قدرة المجلس على التماسك حول القضايا الكبرى التي تواجه اليمن جنوبه وشماله، وهي مترابطة لا يمكن حل بعضها وترك بعضها الآخر.