في خطوة تعكس هشاشة وضعهم الداخلي وخوفهم المتزايد من المدّ الشعبي للمؤتمر الشعبي العام، أقدمت مليشيا الحوثي على إيقاف فعالية سلمية كان من المقرر إقامتها بمناسبة الذكرى الـ43 لتأسيس المؤتمر، متذرعين بحجج واهية بأن الاحتفال "لا يتناسب مع الظروف الراهنة وما يعيشه أطفال غزة".
والمفارقة الصارخة أن هذه المليشيا نفسها، التي تتباكى على أطفال غزة في الإعلام، لا تجد غضاضة في إقامة احتفالاتها الطائفية ومناسباتها الخاصة على مدار العام، وبأبّهة وصرفيات كبيرة، غير آبهة بمعاناة الشعب اليمني ولا بجراحات الأمة.
الحقيقة التي يحاول الحوثيون طمسها أن المؤتمر الشعبي العام، برصيده الوطني الممتد وتاريخه النضالي العريق، ما يزال التنظيم الأكثر قربًا من الجماهير، والأكثر قدرة على حشد القواعد الشعبية من مختلف شرائح المجتمع. وهذا ما يفسر حالة الرعب والارتباك التي تدفع المليشيا لمنع حتى مجرد إحياء ذكرى تأسيسه.
إن هذا التصرف يكشف بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه المليشيا الإرهابية لا تؤمن بالتعددية، ولا تقبل بشريك اخر وطني يختلف معها، ولا تسمح بأي صوت آخر في الساحة، حتى لو كان احتفالًا بذكرى حزب أسهم لعقود في بناء الدولة اليمنية ومؤسساتها.
لقد وضع الحوثيون الشعب اليمني تحت سياط القهر والتجويع والاعتقال والبطش اليومي، وها هم اليوم يضيفون إلى سجلهم الأسود جريمة جديدة عنوانها: "مصادرة حق الآخرين في التعبير والاحتفال".
لكن ما لا تدركه المليشيا أن هذا القرار الغبي لم يضعف المؤتمر، بل زاد من حضوره، ورسّخ مكانته في قلوب اليمنيين، وأعاد تسليط الضوء على أن المؤتمر الشعبي العام سيظل الرقم الصعب في المعادلة السياسية والوطنية، مهما حاولت قوى الظلام إلغاؤه أو تغييب صوته.
والأخطر من ذلك أن هذا الضغط الممنهج الذي تمارسه المليشيا على مختلف المكونات والقبائل اليمنية لن يطول؛ فاليمنيون بطبيعتهم لا يقبلون الذل ولا يرضون بالقهر، وإذا حاول الحوثي تفريقهم اليوم، فإنهم غدًا سيكونون وقود النار التي تحرقه، كما فعلت القبائل الوطنية في ثورة 26 سبتمبر. وما هي إلا مسألة وقت حتى يوجه أبناء اليمن الأحرار سهامهم في وجه هذه العصابة الكهنوتية، ويقتلعونها من جذورها.