آراء

المؤتمر الشعبي العام.. ذاكرة وطنية تتجدد في لحظة فارقة

صلاح الطاهري

|
قبل 4 ساعة و 59 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

ثلاثة وأربعون عاماً تمضي منذ أن أبصر المؤتمر الشعبي العام النور، فكان أشبه بشجرة باسقة غرست جذورها في تربة الوطن، واستظل بفيئها اليمنيون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم. لم يكن تأسيس المؤتمر في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1982 محض صدفة سياسية، بل جاء كاستجابة لحاجة تاريخية إلى إطار جامع يُلم شتات الطيف اليمني، ويؤسس لعقد اجتماعي تتقاطع عنده الأفكار والرؤى والمصالح في خدمة الوطن الواحد.

لقد حمل المؤتمر منذ لحظاته الأولى روح التوازن والتوافق، فكان بيتاً واسع الأبواب، قادراً على استيعاب التناقضات وصهرها في بوتقة واحدة. ومن بين جدرانه ترددت أصوات الدستور والقانون، وعلى منابره تشكلت معالم الوحدة، وفي كواليسه نضجت التجارب السياسية التي منحت اليمن فسحة أمل في التعددية والتداول السلمي للسلطة. كان المؤتمر بحق مدرسة سياسية وفكرية أفرزت أجيالاً من القيادات والإداريين والمثقفين والاقتصاديين، فأصبح جزءاً من الذاكرة الوطنية لا يمكن محوه.

لكن ذاكرة المؤتمر لم تخلُ من التحديات والآلام. ففي زمن الانقلاب الحوثي، تكسرت أحلام الجمهورية على صخرة المشاريع الصغيرة، وكان الحزب في قلب العاصفة. دفع المؤتمر دماء زعيمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح ثمنًا لتمسكه بالثوابت، وتعرض لمحاولات تفكيك وإقصاء، غير أنّه ظل، رغم الجراح، قوة حاضرة في وجدان الناس، ورمزاً لمرحلة لا يمكن اجتثاثها من تاريخ اليمن الحديث.

اليوم، في ذكرى التأسيس الثالثة والأربعين، لا يقف المؤتمر أمام لحظة استذكار فقط، بل أمام امتحان وجودي. فإما أن ينهض من تحت الركام ويستعيد دوره الريادي، أو يظل أسير التشتت والانتظار. إن كوادره في الداخل يجدون أنفسهم محاصرين بين سلطة الأمر الواقع الحوثية وبين عهدهم الوطني، فيما يتحمل من هم في الخارج مسؤولية أكبر في إعادة ترميم الحزب وإحياء رسالته. والمؤتمر هنا ليس مجرد حزب يبحث عن البقاء، بل هو مشروع وطني مطالب بأن يتجاوز ذاته، وأن يمد يده لكل القوى المناهضة للانقلاب، ليصوغ معاً ميثاقاً جديداً يعيد للدولة جمهوريتها ويحرر اليمن من محنته.

الزمن لا ينتظر المترددين. واليمن، الذي يترنح اليوم بين الركام والحلم، بحاجة إلى صوت كبير يعيد تعريف المعنى الوطني. والمؤتمر بما يحمله من إرث ووزن تاريخي، مؤهل لأن يكون هذا الصوت، إذا ما أعاد اكتشاف نفسه بلغة العصر، ووجّه بوصلته نحو المستقبل بعيداً عن حسابات الماضي الضيقة. إن اللحظة الراهنة تقتضي خطاباً جديداً، يفتح أفق الأمل أمام الشباب، ويعيد الاعتبار للقيم الجمهورية، ويقدّم رؤية واضحة لليمن الذي يتسع للجميع.

ثلاثة وأربعون عاماً ليست مجرد رقم، بل هي رحلة طويلة من الحضور في قلب الوطن، وهي أيضاً مسؤولية ثقيلة في لحظة مفصلية. إن المؤتمر الشعبي العام اليوم مدعو لأن ينهض كما ينهض طائر الفينيق من رماده، وأن يبرهن أن جذوره لم تيبس، وأن أوراقه قادرة على الاخضرار من جديد. فالتاريخ لا يرحم العاجزين، واليمن لا يحتمل المزيد من الانكسار، والرهان معقود على القوى الوطنية، وفي طليعتها المؤتمر، كي تُعيد صياغة الغد وتستعيد الجمهورية التي ضحى من أجلها الأوائل.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية