آراء

الإنتصاف لضحايا التحرش الجنسي في اليمن

د. هبة عيدروس

|
قبل 3 ساعة و 58 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook


في مساء يوم السابع من أكتوبر عام 2025، شهدت مدينة عدن (كريتر) جريمة صدمت المجتمع راح ضحيتها شاب يُدعى (ع. ف) على يد شاب آخر يُدعى (ر.ف)، وادّعى الأخير أن المجني عليه تحرّش بالفتاة التي عرفته على المجني عليه. وفي صباح اليوم نفسه، وفي إحدى مدارس المدينة، تعرّض طفل في سن المراهقة لتحرش من زميله في الفصل. حاول الطفل الدفاع عن نفسه، فنشب شجار بينهما، وانتهى الأمر بمعاقبة الضحية من قبل إدارة المدرسة، بينما أفلت المعتدي من العقوبة!

لاتستغرب/تستغربين، عزيزي القارئ/عزيزتي القارئة، من هذا الواقع العجيب والمخيف.


إن هاتين الحادثتين ليستا استثناءً، بل تعكسان واقعًا يمنيًا مأزومًا تسوده الفوضى وضعف مؤسسات العدالة. فوفقًا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في مارس 2025، هناك أكثر من 6.2 مليون امرأة وفتاة في اليمن معرضات لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي نتيجة الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية. كما وثّق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مايو 2025 بعنوان الأطفال والنزاع المسلح في اليمن 46 حالة اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ضد الأطفال بين عامي 2021 و2023.


ورغم فداحة هذه الأرقام، لا يزال الإطار التشريعي اليمني عاجزًا عن تحقيق الردع والإنصاف. فـقانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994 ينص في مادته (269) على جريمة الاغتصاب، التي سقط حدّها الشرعي، بعقوبة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على عشر سنوات بحسب ظروف القضية. أما جريمة هتك العرض بالإكراه (273) فعقوبتها لا تتجاوز خمس سنوات، وإن كانت بغير إكراه (م272) فلا تزيد على سنة واحدة أو غرامة مالية بسيطة، أي أن الفاعل قد يُسجن ليوم واحد فقط!


إن هذه العقوبات لم تتغير منذ أكثر من ثلاثين عامًا لم تعد مناسبة لا للزمان ولا للواقع الحالي. فقد تطور التحرش وهتك الأعراض ليشمل أفعالًا غير مادية عبر الوسائط الرقمية، مما يضاعف الأذى النفسي والاجتماعي للضحايا، وقد يصل بهم الأمر إلى الانتحار. لذلك، من الضروري أن يراعِ المشرّع حجم الضرر عند إعداد السياسة الجنائية والنصوص العقابية.


وفي ظل الحرب والانقسام، أصبح الانتصاف لضحايا التحرش والعنف الجنسي تحديًا مضاعفًا، إذ تُعاقب الضحية مرتين: مرة بفعل الجريمة، ومرة بالصمت الاجتماعي والتقاعس المؤسسي. فما زال المجتمع أسير ثقافة العيب والتستر، بينما تفتقر المدارس إلى آليات حماية فعّالة، وتتعامل السلطات مع هذه القضايا بروتين بطيء يقتل الضحية وأهله مرتين ، بدلا من الإسراع في الإجراءات حيال هذه الجريمة ، بينما تحظى بعضها باهتمام نتيجة تفاعل وضغط الرأي العام.

إنّ مكافحة العنف بجميع أشكاله، بما في ذلك التحرش، يتطلب مقاربة مجتمعية شاملة تبدأ من الأسرة والمدرسة وتمتد إلى الدولة ووسائل الإعلام. فوزارة التربية والتعليم مطالَبة بإنشاء وحدات حماية نفسية واجتماعية في المدارس، وتدريب المعلمين والمعلمات على استقبال الشكاوى بسرية واحترام. كما ينبغي على وسائل الإعلام أن تسهم في رفع الوعي المجتمعي ومناقشة الظاهرة بجرأة ومسؤولية، بعيدًا عن تبرير الفعل أو تجريم الضحايا.

وفي المقابل، يتعين على وزارات حقوق الإنسان، وشؤون المرأة، والتربية والتعليم إعداد برامج وقائية ومناهج تعليمية تُرسّخ ثقافة احترام الجسد ورفض العنف بأشكاله كافة.


أما مؤسسات التشريع والقضاء، فتقع عليها مسؤولية تطوير التشريعات الجنائية بما يواكب التحولات الاجتماعية والتكنولوجية، وتدريب أعضاء النيابة العامة على التعامل مع قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي بمهنية عالية وسرية تحفظ خصوصية الضحايا من الأطفال لضمان تحقيق العدالة والإنتصاف لهم.


لا تتحقق حماية الكرامة الإنسانية بالشعارات، بل بتأسيس منظومة قانونية ومجتمعية تحترم الإنسان وتضع كرامته وأمنه في صميم أولوياتها.

 

د. هبة عيدروس

خبيرة وأكاديمية قانونية– باحثة متخصصة في

قضايا المرأة والطفل،حرية التعبير، والجرائم الرقمية.

 

 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية