تشرفت مساء أمس بحضور الحدث العالمي الهام افتتاح المتحف المصري الكبير وبحسب المعلومات التي وزعتها إدارة المتحف فإنه سيضم للمرة الأولى في التاريخ جميع مقتنيات الملك توت عنخ آمون في مكان واحد أكثر من ٥٩٩٢ قطعة أثرية وكنزا ملكيًا، بينها القناع الذهبي الشهير، والعجلات الحربية، والأثاث الملكي، وخنجر مصنوع من نيزك قادم من الفضاء، تُعرض جميعها في تجربة بصرية وسردية تضع الزائر وجهًا لوجه أمام أحد أكثر العصور غموضًا وإثارة في تاريخ مصر القديمة.
المتحف يحتضن كذلك أقدم وأضخم مراكب خشبية في التاريخ، وهي مراكب الملك خوفو التي عُثر عليها بجوار الهرم الأكبر. وقد تم اكتشافها مفككة إلى أكثر من 1200 قطعة خشب، أعيد تركيبها بعناية مذهلة، دون استخدام مسمار واحد، لتكون شاهدًا على عبقرية الهندسة المصرية القديمة،
تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك مصر، يستقبل الزوار و يقف شامخا بارتفاع يزيد على 11 مترًا، ليكون أيقونة للمتحف وبوابة إلى عالم الحضارة. أما في الردهة الكبرى، فتتألق المسلة المعلقة لوحيدة في العالم، وهي مسلة الملك رمسيس الثاني التي يصل وزنها إلى 110 أطنان، وقد تم رفعها بأسلوب هندسي حديث يتيح للزائر السير تحتها والتأمل في نقوشها الملكية من جميع الزوايا.
وتكمل هذه التجربة المذهلة مجموعة من القاعات التفاعلية التي تستحضر روح الحضارة المصرية في سياق حديث:
فالمتاحف لم تعد مجرد أماكن للعرض الصامت، بل صارت منصات للمعرفة والتفاعل. ومن خلال أحدث تقنيات العرض الرقمي والواقع المعزز، يمكن للزوار أن يشاهدوا المعابد كما كانت قبل آلاف السنين، وأن يتجولوا في المدينة الغارقة تحت مياه الإسكندرية القديمة، وأن يتتبعوا رحلة النيل من منبعه إلى مصبّه، في تجربة تعليمية وثقافية فريدة.
كما يضم المتحف مكتبة بحثية متخصصة، ومركزا للترميم يُعد من أكبر المراكز في الشرق الأوسط، ومرافق تعليمية تستهدف الطلاب والباحثين وعشاق التاريخ، إلى جانب قاعات للمؤتمرات والمعارض المؤقتة، ومناطق مخصّصة للأنشطة الثقافية والفنية، ومجمعًا متكاملاً للمطاعم والمقاهي والمتاجر التي تقدم تجربة حضارية كاملة.
بهذا المحتوى الاستثنائي، يتحوّل المتحف المصري الكبير إلى أكثر من مجرد وجهة سياحية؛ إنه فضاء للمعرفة، ومنصة للحوار بين الحضارات، وجسر يربط ما بين ماضي الإنسانية وحاضرها ومستقبلها. إنه المكان الذي يجتمع فيه العلم بالجمال، والتاريخ بالفن، والروح بالمنجز الإنساني، في مشهد واحد يلخّص عبقرية المصري القديم وعظمة ما تركه للبشرية
لحظة الافتتاح ورسائلها الحضارية
لا يقتصر افتتاح المتحف المصري الكبير على كونه حدثًا ثقافيًا ضخمًا، بل هو مشهد رمزي يحمل دلالات أعمق تتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ. فمن قلب أرض قدّمت للعالم أول مفاهيم الدولة والقانون والعدالة، تقف مصر اليوم لتعلن أن الماضي لا يُحبس في المتاحف، بل يُعاد تقديمه كقوة فاعلة في بناء المستقبل.
شهد حفل الافتتاح حضورًا رفيع المستوى من قادة الدول والملوك والرؤساء والأمراء، فضلا عن ممثلين لمنظمات ثقافية ودولية كبرى، وهو ما يعكس المكانة العالمية للمتحف كمشروع إنساني قبل أن يكون مشروعًا مصريًا. وفي مشهد بالغ الرمزية، تسلّم كل قائد من القادة المشاركين نموذجًا مصغرًا من المتحف يحمل اسم دولته، ليضعه بيديه في مكانه داخل مجسّم ضخم يمثل المشروع، في إشارة إلى أن هذا الصرح ملك للبشرية جمعاء. ثم قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع القطعة الأخيرة التي تمثل مصر، معلنا رسميّا افتتاح المتحف في لحظة مؤثرة تمثل تتويجًا لعقود من العمل والإصرار.