آراء

رعب الحوثي في ذكرى ثورة سبتمبر: حين يتحول المواطن إلى متهم

أمة الغفور الوادعي

|
02:32 2025/09/27
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

تمر ذكرى 26 سبتمبر، أعظم أيام اليمن الحديث، اليوم الذي كسر فيه اليمنيون قيود الإمامة وخرجوا من ظلام العبودية إلى نور الحرية. ذكرى يجب أن تكون عيدًا للوطن، يومًا للفخر والاعتزاز. لكن في صنعاء اليوم، وتحت سلطة الحوثيين، تحوّل هذا اليوم إلى كابوس مرعب، يوم تُغلق فيه الشوارع وتنتشر النقاط المسلحة ويُعامل المواطن البسيط كعدو محتمل.

 

الحوثي يعرف أن سبتمبر ليس مجرد ذكرى، بل لعنة تطارده، فالتاريخ يصرخ في وجهه: أنتم الوجه الجديد للإمامة، أنتم الكابوس الذي حاول اليمنيون الخلاص منه قبل أكثر من نصف قرن. ولهذا يعيش الحوثي حالة رعب جماعي من هذه المناسبة، حتى لو لم يرفع الناس علمًا أو يهتفوا بشعار، يكفي أن يمرّ هذا اليوم ليكشف هشاشتهم وخوفهم من الحقيقة.

 

تجربتي في هذا اليوم المرير كانت شاهدًا على حجم الذعر الذي يعيشونه. كنت خارجة في طريقي، لا أملك شيئًا يثير الشبهة، مجرد مواطنة تمارس أبسط حقها في التنقل. فجأة أوقفونا عند نقطة تفتيش. فتشوا السيارة بفظاظة، ثم طلبوا هواتفنا وبدؤوا يقلبونها أمام أعيننا. لحظة شعرت فيها أن حياتي كلها تُعرض أمام غرباء بلا رحمة، بلا قانون، بلا أدنى احترام لإنسانية أو خصوصية.

 

أسئلتهم كانت كتحقيق بوليسي: ما انتماءك؟ من تعرفين؟ ما تفعلين؟ عشر دقائق من الذل والارتباك، لكنها مرت عليّ كعشر سنوات. جسدي يرتجف، دموعي تسيل، وقلبي يكاد ينفجر من الرعب. وعندما سألوني بوقاحة: "ليش تبكي؟ لو ما أنتي خايفة ما تبكي!"، أدركت حجم الانفصال عن الإنسانية الذي يعيشونه. لم يفهموا أن الدموع لم تكن ضعفًا، بل خوفًا من المجهول، من فكرة أنني تحولت في لحظة إلى متهمة بلا جرم، وأسيرة تحت رحمة من لا يعرف الرحمة.

 

لم أكن أرفع علماً، ولا أشغل أناشيد، ولا أملك أي شيء سياسي على هاتفي. ومع ذلك، جعلوني أشعر كأنني إرهابية خطيرة، فقط لأنني مررت في شارع في يوم يخافون منه أكثر من خوفهم من أي جبهة عسكرية.

 

تخيلوا أن يُفتش هاتفك أمامك، أن يتصفحوا خصوصياتك وصورك ومحادثاتك، أن يدخلوا حتى إلى الحالات الخاصة في "الواتساب". أي إذلال أكبر من هذا؟ أي دولة أو سلطة في العالم تمارس مثل هذه الجريمة بحق مواطنيها؟

 

الحوثي لا يثق بأحد. كل إنسان عنده مشروع خيانة. كل مواطن في نظره مشروع "عميل". ولهذا ينشر الرعب بدل الطمأنينة، يزرع الشك بدل الثقة. عشر دقائق من هذا "الإجراء الأمني" كافية لتحول إنسانًا بسيطًا إلى كائن محطم، يسأل نفسه: ماذا لو وجدوا في هاتفي شيئًا عاديًا لكنهم فسروه سياسيًا؟ ما هو المصير المجهول الذي كان سيبتلعني؟ سجن؟ إخفاء قسري؟ إهانة أكبر؟

 

هذه ليست مبالغة. هذا هو الواقع الذي تعيشه صنعاء. الناس يسيرون في الشوارع خائفين من هواتفهم أكثر من خوفهم من أي شيء آخر. أصبح الهاتف عبئًا، صندوقًا أسودًا قد يُستخدم لإدانتك حتى لو لم تفعل شيئًا.

 

حتى نحن النساء، لم يعد لنا أمان. الخروج من المنزل صار مغامرة قد تنتهي بكارثة. الحوثي لم يترك للناس خيارًا: إما أن يختبئوا في بيوتهم، أو يعيشوا الذل والإهانة على يد مسلحيه.

 

هذا ما يريده الحوثي: أن يُحوّل المواطن إلى كائن خائف، إلى جسد مرتعش، إلى دموع تُذرف في صمت. يريد أن يجعل الأمان شعورًا مستحيلاً، والحرية ذكرى بعيدة. لكنه لا يدرك أن الخوف لا يصنع ولاءً، وأن الرعب لا يخلق دولة، وأن الذكرى التي يخشاها – 26 سبتمبر – ستبقى سيفًا مسلطًا عليه مهما حاول محوها.

 

اليوم، وأنا أسترجع تلك اللحظات المليئة بالهلع، أشعر بالخذلان والغضب أكثر من الخوف. غضب من جماعة تستبيح كرامة الناس بلا حساب، جماعة تظن أن تفتيش الهواتف يقتل فكرة، أو أن إذلال المواطن يطمس ذاكرة. لا، الفكرة لا تموت، والذاكرة لا تُمحى. بل على العكس: كل دمعة، كل رعشة، كل لحظة رعب تحت نقاطهم المسلحة، تتحول إلى نار تحت الرماد ستشعل ثورة جديدة يومًا ما.

 

الحوثي يظن أنه يسيطر على صنعاء. لكنه في الحقيقة يعيش سجين خوفه. سجين 26 سبتمبر. هذه المناسبة التي يخشاها أكثر من أي طائرة أو جبهة قتال. لأنه يعرف أن الشعب، مهما صمت الآن تحت القمع، لن يقبل بعودة الإمامة بثوب جديد.

 

ما حدث لي ليس حادثة فردية. هو صورة مصغرة لواقع يعيشه الملايين في صنعاء والمناطق الخاضعة للحوثي. واقع يقوم على إذلال الناس، وسرقة خصوصياتهم، وترويعهم في الشوارع. واقع لا يمكن أن يستمر.

 

سنظل نحلم بيمن مختلف. يمن فيه الأمن حقيقي، يزرع الطمأنينة لا الرعب. يمن يحمي كرامة المواطن بدل أن يهدرها. يمن يكون فيه يوم 26 سبتمبر عيدًا كما أراده الثوار، لا كابوسًا كما يعيشه الناس اليوم.

 

وحتى ذلك اليوم، سيبقى الحوثي رمزًا للخوف، وستبقى دموع الناس وصرخاتهم جرس إنذار: أن هذا الوضع لا يدوم، وأن رعبهم سينقلب عليهم.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية