حينما أشرقت شمس اليمن في 21 مارس، كان القدر يكتب فصلاً جديدًا لميلاد علي عبد الله صالح، القائد الذي سيحمل على عاتقه نهضة الوطن، ويرسم ملامح الدولة اليمنية الحديثة. منذ صغره، تشرب حب الوطن والإخلاص له، فانضم إلى القوات المسلحة عام 1958، ليشق طريقه بعزيمة وإصرار حتى أصبح أحد أبرز القادة العسكريين الذين وقفوا سدًّا منيعًا في وجه التحديات التي هددت كيان الجمهورية الفتية.
حامل لواء الاستقرار وباني الدولة
حين تولى علي عبد الله صالح قيادة اليمن في 17 يوليو 1978، كانت البلاد تعيش مرحلة من الاضطراب السياسي والتوتر الأمني، لكن برؤيته الثاقبة وحكمته القيادية، تمكن من إعادة ترتيب الصفوف، وترسيخ دعائم الاستقرار، واضعًا الأساس لمشروع بناء دولة حديثة تمتلك مقومات النهوض والتقدم.
الوحدة اليمنية.. أعظم إنجاز في التاريخ الحديث
في 22 مايو 1990، دوّن اليمنيون بأحرف من نور حدثًا استثنائيًا سيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال، عندما قاد الرئيس صالح مسيرة توحيد شطري اليمن، محققًا أعظم إنجاز سياسي في التاريخ العربي الحديث. لم تكن الوحدة وليدة الصدفة، بل كانت ثمرة سنوات من الجهود الحثيثة والمفاوضات التي تكللت برفع علم اليمن الموحد، إيذانًا بعهد جديد من العزة والكرامة الوطنية.
نهضة اقتصادية وتنموية عملاقة
لم يكن بناء الدولة عند الرئيس صالح مجرد شعارات، بل كان نهجًا عمليًا تجسد في مشاريع تنموية غير مسبوقة. فقد شهدت اليمن خلال عهده قفزات نوعية في مختلف المجالات، حيث شُيدت الطرق التي ربطت المدن والقرى، وأُنشئت المدارس والجامعات التي فتحت أبواب المعرفة أمام الأجيال، وتوسعت شبكة المستشفيات، وازدهر القطاع الزراعي والصناعي، كما شهدت البلاد انتعاشًا اقتصاديًا بفضل استغلال الثروات النفطية والغازية، مما عزز من الإيرادات الوطنية ورفع مستوى معيشة المواطنين.
ديمقراطية راسخة وتجربة سياسية فريدة
لم يكن الرئيس صالح قائدًا تقليديًا، بل كان رجل دولة بامتياز، حيث رسّخ قواعد الديمقراطية وأطلق تجربة انتخابية غير مسبوقة في اليمن. ففي 1993 أجريت أول انتخابات برلمانية وتبعتها أخرى في العام 1997 قبل أن تجرى في العام 1999، أول انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة، جسّدت إرادة الشعب في اختيار قيادته، ثم أعيد انتخابه عام 2006، في انتخابات شهدت مشاركة واسعة، أكدت على ثقة الشعب بقيادته. كما حرص على ترسيخ مبدأ التعددية السياسية، وإفساح المجال أمام حرية الصحافة، ودعم دور المؤسسات الدستورية.
سياسة خارجية متزنة ومكانة إقليمية مرموقة
لم تكن اليمن في عهد الرئيس صالح مجرد دولة هامشية، بل أصبحت لاعبًا إقليميًا فاعلًا يحظى بتقدير واحترام العالم. فقد انتهج سياسة خارجية متوازنة، عززت علاقات اليمن مع الدول الشقيقة والصديقة، وساهمت في حفظ الأمن والاستقرار الإقليمي، وجعلت من اليمن شريكًا أساسيًا في القضايا العربية والدولية.
إرث خالد وزعامة لن تُنسى
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، قاد الرئيس صالح اليمن بحكمة وإصرار، محققًا إنجازات ستظل شاهدة على مسيرته الاستثنائية. لقد حمل الوطن على كتفيه، وخاض معاركه بشجاعة، وواجه التحديات بعزم لا يلين، حتى جاءت المؤامرات التي استهدفت اليمن وأمنه واستقراره، فواجهها حتى اللحظة الأخيرة بروح الفداء والتضحية.
رحل القائد، لكن إرثه باقٍ، وإنجازاته خالدة، ومسيرته ستظل نبراسًا للأجيال القادمة. فقد كان علي عبد الله صالح ليس مجرد رئيس، بل كان صانع أمجاد اليمن، وباني نهضته، وحامي وحدته.