محلي

استخدام الحوثيين للمعتقلين من عمال الإغاثة كسلاح اقتصادي

فيوتشر سينتر - ترجمة خاصة اليمن اليوم:

|
قبل 13 ساعة و 58 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

اعتقلت ميليشيا الحوثي ما لا يقل عن ثلاثة عشر عاملا في المجال الإنساني في المحافظات الرئيسية، بما فيها عمران والحديدة وصنعاء، بتهمة "التجسس" منذ شهر يونيو 2024، وتتماشى هذه الهجمة على عمال الإغاثة الذين توظفهم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى مع استراتيجية الحوثيين الأوسع لتعزيز سيطرتهم على حساب وصول المساعدات الإنسانية الدولية للسكان اليمنيين.

وتجسد هذه الأساليب النهج المتبع لدى الجماعات المسلحة الأخرى، مثل داعش وحزب الله، التي استخدمت المساعدات بالمثل كسلاح لتعزيز قبضتها على السلطة، وكما فرض تنظيم «الدولة الإسلامية» "ضرائب" على تسليم المساعدات، واستفاد «حزب الله» من الموارد الإنسانية مقابل تعزيز الولاء له في لبنان، كما حول الحوثيون المساعدات إلى أداة قوية للنفوذ، حيث يوطدون من اعتماد المدنيين على حكمهم من خلال ضمان استفادة أولئك الأفراد المصنفين في دائرة محسوبيتهم فقط من المساعدة.

تستمر الأمم المتحدة والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المطالبة ب "الإفراج غير المشروط" عن هؤلاء العمال المحتجزين. ومع ذلك، فإن رفض الحوثيين المستمر للاصغاء إلى الإجماع المتزايد للمجتمع الدولي يؤكد على نقطة حاسمة وهي أن الاستراتيجية الحالية لتقديم المساعدات إلى اليمن تتطلب إعادة تقييم كبيرة. ومع تطور الوضع، يصبح من الواضح بشكل متزايد أن هناك حاجة إلى نهج جديد لمعالجة الأزمة الإنسانية عند التعامل مع  المشهد السياسي المعقد الذي يهيمن عليه الحوثيون.

المساعدات الإنسانية تتعرض للهجوم  بما فيها تدفقات المساعدات وعمال الإغاثة

في تاريخ 12 أكتوبر، أصدر تحالف من وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك اليونسكو وبرنامج الأغذية العالمي، بيانا مشتركا يدين الاعتقالات ويدعو إلى تسهيل "وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق". وردا على ذلك، دعم الاتحاد الأوروبي إعلان الأمم المتحدة، الذي أدى بدوره إلى زيادة الضغط على الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين لتعزيز المساعدات الإنسانية وإعادة النظر في الجهود الجماعية لتأمين إيصال المساعدات دون عوائق إلى اليمن.

وفي وقت سابق، في شهر سبتمبر، قدمت الوكيلة الممثلة للأمين العام للشؤون الإنسانية، جويس مسويا، إحاطة لمجلس الأمن، شددت على تدهور الأوضاع الإنسانية والنطاق "غير المسبوق" للاعتقالات التي تستهدف عمال الإغاثة والمجتمع المدني. وأعلنت مسويا، في اشارتها إلى المخاوف الأمنية، أن الأمم المتحدة ستقلص أنشطتها، بحيث ستركز بشكل أساسي على الخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون حتى يتم ضمان سلامة موظفيها.

ممارسات الحوثيين: علاقات قائمة على المحسوبية

تكشف تقارير الأمم المتحدة باستمرار عن التحريف المنهجي لميليشيا الحوثي لمسار المساعدات الإنسانية. تخدم إعادة توجيه المساعدات هذه غرضا مزدوجا هو مكافأة الموالين، مع فرض "جبايات" عليها تزيد من اعتماد المدنيين على حكم الحوثيين. يعزز حصيلة النظام القائم على المحسوبية الدعم لنظام الحوثيين الحالي، في حين يستهدف في الوقت نفسه أولئك الذين يقدمون وجهات نظر بديلة حول السياسة والاقتصاد والمجتمع، ما يكشف بشكل فعال التعپئة العقائدية المتأصلة في ظل حكم الحوثيين.

هذا الاستغلال هو جزء من استراتيجية أوسع تشمل الاحتجاز الذي يستهدف عمال الإغاثة والمدنيين، وهو تكتيك مصمم لترهيب وإسكات الرفض المحتمل. تمتد قبضة الحوثيين الخانقة على اليمن إلى ما هو أبعد من التلاعب بالمساعدات، لتشمل شبكة من الأنشطة الاقتصادية التي تحافظ على قوتهم، من مبيعات النفط في السوق السوداء إلى عمليات التهريب، والتي بدورها تمول احتكارهم لتدفقات المساعدات وتمكنهم من استمرار احتجاز السجناء.

ولمواجهة هذه السيطرة السائدة، ينبغي أن يركز التحرك الدولي على تفكيك هذه الشبكات الاقتصادية. من خلال استهداف وتعطيل خطوط القنوات المالية التي تغذي سلطة الحوثيين، يمكن للمجتمع الدولي ضمان وصول المساعدات إلى المدنيين دون تدخل والسماح بمزيد من الرقابة. لن يؤدي هذا النهج إلى تحسين النتائج الإنسانية فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تقويض الأنظمة ذاتها التي تقوي الحوثيين على حساب اليمن.

تحت قبضة القمع الحوثي الرهيب، وجد المعلمون اليمنيون أنفسهم هدفا لهجمة تقشعر لها الأبدان. إذ لم يكتف الحوثيون باستهداف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من خلال تسجيل وبث الاعترافات القسرية وتهم التجسس، بل وسعوا من هجمتهم لتطال أفراد المجتمع المدني اليمني، وخاصة المعلمين، في مسعى منهم لتقويض الأسس الفكرية للبلاد.

وتتجلى الأساليب الوحشية المستخدمة في القضية المأساوية ل محمد نجم خماش، الذي قيل إنه توفي تحت التعذيب في الشهر الماضي، وقضية الدكتور محمد حاتم المخلافي، المحتجز حاليا. تكشف هذه الحوادث عن استراتيجية مخطط لها تهدف إلى تطهير النخبة التعليمية في اليمن. علاوة على ذلك، فإن اختطاف محمد عبد الله شماخ، وهو موظف سابق في السفارة الأمريكية، في تاريخ 31 أكتوبر  هو بمثابة تذكير صارخ بأنه حتى الأفراد الذين لديهم علاقات بعيدة بأمريكا لا يزالون في مرمى الحوثيين، بعد ما يقرب من عقد من تعليق السفارة الأمريكية عملها في صنعاء.

ففي مشهد بشع يهدف إلى تبرير ما يسمى ب "إصلاح" نظام التعليم في اليمن، يستعرض الحوثيون هؤلاء المعلمين على منصات إعلامية خاضعة لرقابتهم، إذ يقدمونهم على أنهم "جواسيس" من خلال اعترافات بالإكراه. الهدف من هذه الهجمة واضح وضوح الشمس وهو إسكات المعارضة، والقضاء على المعرفة، وفي نهاية المطاف استخدام التعليم كسلاح من أجل خدمة أيديولوجية الحوثيين المتشددة.

الطبيعة المنهجية لممارسات الحوثيين

هذا القمع المخطط له ليس معزولا عن غيره على كل حال. إذ يشكل جزءا من استراتيجية الحوثيين المنهجية لاستبدال المهنيين المخضرمين بالموالين، وتحويل التعليم في اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون إلى أداة للتعبئة الإيديولوجية. ويعكس نهجهم أساليب الحرس الثوري الإيراني، حيث يستخدمون مزاعم ملفقة عن النفوذ الأجنبي لتبرير سجن أولئك الذين يجرؤون على التفكير بشكل مستقل.

تمتد هذه الاعتقالات والانتهاكات إلى ما هو أبعد من الهجمات الشخصية، وتستهدف بشكل منهجي مسار التنمية الاقتصادية المستدامة. وبالتالي، فإن تآكل الحريات السياسية يقوض إمكانات التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن أن يفيد جميع اليمنيين. فمن خلال استهداف المعلمين، يتسبب الحوثيون بتآكل أسس مستقبل اليمن، واستبدال دعائم النمو الفكري بنظام من الخوف والتبعية.

إن تأثير هذه الإجراءات مدمر على المدى الطويل: فحرمان الشباب اليمني من التعليم الجيد يضمن انتقال الأجيال نحو التلقين العقائدي والاعتماد على الدعاية الحوثية، بدلا من تعزيز المهارات اللازمة لتعافي اليمن واستقراره. هذه القبضة الحوثية الخانقة على أنظمة التعليم والمساعدات في اليمن لا تعمل على خنق المعارضة فحسب، بل تزرع أيضا بذور الدمار على المدى الطويل.

فمن خلال الهدم المنهجي للأسس الفكرية في اليمن واستبدال المعلمين المؤهلين بالموالين ، يقوم الحوثيون بتصنيع جيل مشحون بالدعاية بدلا من المعرفة. وتمتد تداعيات هذه الممارسات إلى ما وراء حدود اليمن. إن المجتمع غير المستقر الذي تسيطر عليه أيديولوجيا يصبح أرضا خصبة للاضطرابات في المستقبل، مما يعقد حتما الجهود المبذولة من أجل السلام والاستقرار الإقليميين لسنوات قادمة.

استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح اقتصادي

لقد استخدم الحوثيون المساعدات كسلاح استراتيجي، وحولوها إلى أداة قوية للسيطرة. ويفيد مراقبو الشؤون الإنسانية أن ما يصل إلى 70٪ من المواد الغذائية والموارد المستوردة إما يتم حرفها إلى الموالين للحوثيين، أو تفرض عليها ضرائب باهظة، أو يتم سحبها بالكامل. فمن خلال فرض رسوم على الإمدادات الأساسية، خلق الحوثيون تدفقا بديلا للإيرادات على حساب المدنيين، مما جعل الغذاء والدواء والمياه النظيفة غير متاحة للكثيرين. وقد أدى هذا التلاعب إلى ارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع التضخم بشكل كبير، حيث يتحمل اليمنيون في المناطق غير الحوثية وطأة هذه التكتيكات الاقتصادية.

ففي سعيهم للسيطرة على الثروة والسلطة، اتبع الحوثيون طرقا متعددة لتوطيد أنفسهم. فقد استغلوا موارد الدولة، وفرضوا ضرائب على الشركات والأفراد، وانخرطوا في أنشطة غير قانونية مثل تهريب النفط، والاتجار بالأسلحة، وعقد صفقات السوق السوداء. وقد عزز الدعم المقدم من الحرس الثوري الإيراني قبضته على شمال اليمن، وحوله إلى قوة تخريبية في المنطقة. وقد سمح هذا الدعم الخارجي، إلى جانب إعادة توجيه الموارد، للحوثيين بترسيخ سلطتهم في اليمن، ووضعوا أنفسهم على أنهم مصدر إقلاق مستمر للدول المجاورة.

وقد أصبحت التدفق المالي الذي أوجده الحوثيون من خلال هذه الوسائل المختلفة العمود الفقري لهيمنتهم. فهي تعزز سيطرتهم على شمال اليمن في حين يدفع المدنيون في الوقت نفسه إلى حافة البؤس. ومن خلال إدارة شبكة متطورة من صفقات التهريب والأسلحة، التي يسندها الدعم الإيراني، عزز الحوثيون حكمهم، مستغلين موارد اليمن، خاصة في الوقت الذي يواجه فيه ملايين المدنيين نقصا حادا في الموارد. هذا التدفق المطرد للأموال والأسلحة لم يعمل على تعزيز قبضتهم على السلطة فحسب، بل مكنهم أيضا من البقاء كمخربين عنيدين في منطقة مضطربة أصلا

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية