تقديرات إعادة إعمار غزة بعد هذه الحرب تتجاوز 40 مليار دولار، وبما أن هذه الحرب لن تكون الأخيرة، وستأتي بعدها حروب أخرى ودمار من نوع آخر يحتاج إلى إعمار، فلا بد من تفكير مختلف، وذلك لأن خراب غزة يحدث تقريباً كل عشر سنوات أو أقل، لكي ندخل في مشروع آخر لإعادة الإعمار.
ومن هنا تأتي أطروحة هذا المقال التي تقول بأن إعمار العقول والقلوب يجب أن يأتي أولاً.
إعادة إعمار العقول والقلوب في الشرق الأوسط -أعني «سوفت وير» السلام- تتطلب إعادة تركيب المنظومة القيمية الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط برمتها. وبكلام أكثر جدية: إن العقول والقلوب التي تحتاج إلى إعادة إعمار هي قلوب وعقول الإسرائيليين أولاً، فقد طرح العرب أكثر من مبادرة سلام منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، كانت آخرها مبادرة السلام العربية، ولم تطرح إسرائيل مبادرة سلام واحدة. فكيف ننقل المجتمع الإسرائيلي من مجتمع مُتلقٍّ لمبادرات السلام؛ سواء في حالة مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات أو مبادرة الملك حسين بن طلال، اللتين أدّتا إلى اتفاقي سلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، وكذلك مبادرة المقاومة الأخيرة التي تحاول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب؛ كيف نحول هذا المجتمع من مُتلقٍّ للمبادرات العربية إلى مجتمع مبادر للسلام؟
هذا يحتاج إلى إعادة إعمار العقل الإسرائيلي، ومعها أيضاً إعادة إعمار العقل الغربي، من حيث رؤيته لطبيعة المشكلة، وطبيعة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل.
منطقتنا ومجتمعاتنا تحتاج إلى إعمار العقول والقلوب. تحتاج إلى اعتداد بالنفس العربية وقيمتها وقيمة الحياة فيها. فالقبول بأن حياتنا أقل هو أمر استبطنّاه من مناهج مدارسنا ومن إعلامنا، ومن عدم قدرتنا على بناء عقل نقدي ندّ للذهنية الغربية التي ترى أن أرواحنا أقل وحياتنا أقل. بداية أي حديث دبلوماسي مع إسرائيل وحلفائها اليوم، لا بد من أن يبدأ من نقطة أن الجلاد مريض، وأن الضحية هي التي تحتاج إلى الاعتذار والتعويض.
إعادة إعمار العقول والقلوب على ضفتَي الصراع هي بداية الحل.