آراء

حريق في عيون زرقاء

د. محمد جميح

|
02:49 2022/03/03
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

يفتتح الشاعر الإنكليزي روديارد كبلنغ قصيدته “أغنية الشرق والغرب” بالعبارة: “الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا”، وهي العبارة التي انتقلت من حقلها الجمالي الشعري إلى حقول آيديولوجية وسياسية، حملت الكثير من الإسقاطات الاستشراقية القائمة على فكرة “المركزية الغربية” التي يمكن أن نلمحها في أعمال فكرية وأدبية وتاريخية غربية مختلفة.
ربما كان من المناسب استعادة هذه العبارة مع تتبع كم كبير من التعليقات التي ضخّتها – خلال الأيام الماضية – وسائل إعلام غربية مختلفة حول الحرب في أوكرانيا، حيث حفلت تغطيات كثيرة لشبكات تلفزة وصحافة غربية – ناهيك عن مواقع التواصل – بكم غير قليل من “الرؤى المُنَمَّطة” للحرب التي وُصفت بأنها “صادمة”، لأنها تشتعل ضد “شعب بشعر أشقر وعيون زرقاء”، في “الجغرافيا المقدسة”، الأمر الذي يستدعي رواسب “المركزية الغربية المستترة” وغيرها من الأفكار ذات العلاقة.

وعلى الرغم من التعاطف الطبيعي الذي حظيت به الأوضاع الإنسانية في أوكرانيا، فإن كثيراً من التعليقات خرجت عن سياقها الإنساني إلى مناحٍ عنصرية واضحة سلطت الضوء على الحرب باعتبارها “صدمة”، ليس لأنها حرب وحسب، ولكن لأنها تجري في بلد “أوروبي مسيحي أشقر بعيون زرقاء”، حيث وردت عبارات لمراسلين ومعلقين عن لاجئين “لا يختلفون عنا”، في إعمال واضح للجغرافيا والدين واللون والعرق في التحليل والتغطية.

كتب الصحافي البريطاني الذي كان سياسياً محافظاً ديفيد هنان في التلغراف عن اللاجئين الأوكرانيين: “إنهم يشبهوننا إلى حد كبير، وهذا ما جعل الأمر أكثر فظاعة” .
وقال مراسل شبكة “سي بي أس” من كييف: “هذا المكان ليس العراق أو أفغانستان…إنها مدينة متحضرة وأوروبية لم يكن أحد يتوقع حدوث هذا فيها”، في استدعاء وضاح لتقابل الحضارة والبربرية.
ويوم الجمعة الماضي كان أحد المحللين على قناة “بي أف أم” التلفزيونية الفرنسية يقول: “إننا لا نتحدث عن لاجئين سوريين هاربين من ظلم الأسد المدعوم من بوتين، ولكن نتحدث عن أوروبيين يركبون سيارات تشبه سياراتنا”، وهو ما جعل الفوارق العنصرية تمتد – في نظر هذا المعلق – إلى أنماط وأساليب العيش التي تفرق بين ضفتين للمتوسط يركب سكان إحداهما “سيارات”، فيما لا يزال سكان الضفة الأخرى في زمن ركوب الحصان، على أفضل تقدير.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية