استنهاض الذات يتطلب مسح الغبار عن المراحل اليمنية المضيئة في التاريخ قديمِه وحديثِه.. وكان لابد في سبيل ذلك أن نعود إلى خط المسند بوصفه الرسم الحامل لأسرار ومستندات تاريخنا المجيد في طوره الضارب بالقِدم، وكذلك فعَلَ الهمداني ونشوان وكتيبة الأقيال العظماء وصولا إلى مطهر بن علي الإرياني (راهب المسند)، وبودي لو يعتمد تاريخ رحيل الإرياني يوما سنويا للمسند بدءا من العام القادم.
لقد كان المثقف العادي أيام لسان اليمن الهمداني قبل ١١ قرنا، يقرأ المسند بسهولة كإحدى متطلبات الثقافة مثلما يجيد مثقف اليوم اللغة الفصحى لغةً وكتابة. وبالتالي كان التاريخ كتابا مفتوحا في ذلك الوقت الأمر الذي أزعج المشروع السلالي فعمل على طمس الذاكرة وتغييب التاريخ.
حاجتنا ل"يوم المسند" كبيرة بمن في ذلك المهتمون بالتاريخ. والحقيقة أنني بعد زيارتي الأخيرة لمعبد أوام في مأرب قبل نحو شهر، أيقنت أن التاريخ اليمني لايزال أغلبه مطموراً في الرمال وأن الحاجة ستكون كبيرة في المستقبل القريب لمئات المتخصصين في المسند. بل إن علينا تحويل قراءة المسند ثقافة عامة كما كانت أيام الهمداني طيب الله ثراه.
أخيرا: ها أنا أحتفل بيوم المسند رغم أنني لا أظن أحداً يحب الحرف العربي مثلي.. ثنائية ليس فيها تضارب بل تناغم لا يدركه إلا القليل. خصوصا وأن كل ما هو عربي هو يمني بالضرورة، كما أن الرسم العربي الحالي هو أيضا ابتكار يمني حقوقه محفوظة للسبئيين الذين هاجروا إلى شمال الجزيرة.
نحتفل اليوم بيوم المسند تماما مثلما احتفلنا قبل شهر بيوم الوعل اليمني كرمزية تاريخية.. احتفلنا برمزية الوعل ونحن الموحدون لله الواحد الأحد والمتصدرون لمواجهة الوثنية الجديدة المسماة آل البيت، ولقد هالتنا الزوبعة التي حاولت إيجاد خصومة بين التاريخ والدين.. زوبعة أثارها سلاليون وتصدر واجهتها بعض الطيبين الذين صدّقوا أن حراك الأقيال لديه إشكال مع الدين!!
هذه التهمة الخبيثة تقود إلى الضحك والأسف في آن، إذ هذا الحراك يكاد يكون أكبر عملية إحياء يمنية وتجديد للدين الاسلامي الحق، مثلما هو أوسع وأعمق حركة استنهاض وطني للخروج من مربع التعاسة والموت إلى فضاء الحياة التي تليق بهذا الشعب العظيم.