كثيراً ما يردد المُعارضون لك حتى يومنا هذا بأنك ارتكبت أخطاءاً جسيمة في حق الوطن، وأنه لولا تلك الأخطاء لكانت اليمن في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عام 2011، وها أنا أخاطبك وأنت بين يدي ربك، وأعاتبك وأؤكد لك بأنك أخطأت كثيراً بحق الوطن والشعب وحقك أيضاً يا فخامة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح.
أخطأت لأنك سلّمت السلطة وأنت في قوة مجدك، وتمتلك قاعدةً شعبية عارمة، وقوة عسكرية وأمنية ضاربة، سلمتها لأناس اتضح للقاصي والداني بأنهم لا يجيدون غير الصراخ والعويل والتفكير ببناء إمبراطورياتهم الخاصة، ولم يكونوا رجال دولة رغم أن معظمهم خدموا في عهدك، وكنت أنت والأوفياء من رجالك من تسترون عيوبهم وأخطاءهم.
أخطأت لأنك تركت لهم الحبل على الغارب، ومنحتهم حريةً لم يعهدوها، بل وأثبتت الأيام أنهم لا يستحقونها، فقد وصل بهم الحال، إلى التطاول عليك شخصياً وأنت في سدة الحكم، وفي وسائل الإعلام الرسمية، وبدلاً من أن يحترموا ذلك، استخدموه سلباً واستغلوا ذلك المناخ لنفث سمومهم وتدمير وطنهم.
أخطأت لأنك وضعت ثقتك في كثيرين، لم يكونوا أهلاً لها وخانوا القسم العسكري الذي أقسموه، كانوا يتزلفون أمامك، وفي الباطن يمارسون العكس تماماً.
أخطأت يا فخامة الرئيس الصالح، لأنك كنت تظن بأنهم لم ولن يفرطوا بالثوابت الوطنية مهما حصل من خلافات وتباينات، وها هي الأيام أثبتت عكس ذلك تماماً، فللمرة الأولى في تاريخ البلاد يطالب يمنيون بإدراج بلدهم تحت الوصاية الدولية، بل وتحت الفصل السابع.
أخطأت، لأنك كنت ترى في الكثيرين منهم بأنهم أبناؤك، بينما بعضهم رضعوا الخيانة والعمالة وجعلوا من وطنهم فريسة للأجنبي، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطية لتنفيذ أجندات خارجية، وها هو الوطن يحصد ما زرعوه، والشعب اليمني يتحمل العذاب والآلام نتيجة كل تلك الحماقات التي اقترفوها بحقه.
نعم.. أخطأت، حين أشركت معظم الأحزاب في المناصب العليا للدولة، رغم أن حزب المؤتمر الشعبي العام الذي تترأسه، يمتلك أكثر من ثُلثي البرلمان ومن حقه الانفراد بالسلطة بحسب الدستور والقانون حتى يتم إقصاؤه عبر انتخابات حرة ونزيهة.
أخطأت حينما تساهلت مع الأحزاب وخاصة المؤدلجة منها، وهي تعقد الاجتماعات السرية في الدهاليز والسراديب لتعبئة المنتمين لها بالأفكار الهدامة وتوغر صدورهم بالحقد والكراهية ضد كل من يخالفها في النهج أو الفكر.
أخطأت، حين خرجت من بين النيران ووجّهت قيادات الجيش بعدم الرد على من قصفوا مسجد دار الرئاسة بينما هم يزُفّون البُشرى باستهدافك وعلى مرأى ومسمع الجميع.
أخطأت يا فخامة الرئيس.. لأنك كنت حريصاً جداً على حقن الدماء، فكلما كانت تأتي وساطة لإيقاف حرب صعدة، تُبادر أنت بالاستجابة وتعلن إيقاف الحرب، بينما هم يطلبون إيقافها كي يستعيدوا التقاط أنفاسهم والتحضير لجولة جديدة من حربهم العنصرية الطائفية.
أخطأت.. لأنك ذهبت بنفسك في مطلع فبراير 2011 إلى الفرقة الأولى مدرع، ووجهت بحماية الشباب المعتصمين في الساحات، وبذلت الغالي والنفيس وقدمت كل التنازلات كي لا تسقط قطرة دم واحدة، بينما هم هددوا بالزحف إلى غرفة نومك وانتهاك كل الحرمات، وتآمروا عليك وفجروا بيتاً من بيوت الله بداخله حوالي ألف مُصلٍ، وذبحوا الثيران قرابين ابتهاجا باستهدافك وكبار رجالات الدولة.
أخطأت، حين كنت تناديهم (بأبنائي) بينما السواد الأعظم منهم، قد تم إيغار صدورهم بالحقد والكراهية تجاهك، وتشويه كل جميل قمت به وبنيته خلال أربعة عقود.
أخطأت لأنك وحدت البلاد وحميتها على مدى عقود، بينما تركوها اليوم للأمواج المتلاطمة تتقاذفها من كل جانب.
نعم.. أخطأت لأنك تسامحت مع أناس يعتبرون التسامح ضعفاً، والاحترام جُبناً والصبر خوفاً.
ورغم كل تلك الأخطاء، يكفيك أنك كنت ولا تزال وستظل حياً في قلوب أبناء شعبك الأوفياء الصادقين الذين عاشوا في عهدك بكل حرية وأمن وأمان واستقرار وسلام.
المجد والخلود لروحك الطاهرة، والخزي والعار للقتلة المجرمين والخونة المتآمرين.