نصف راتب يصرف كل ثلاثة أشهر فقط، وفي كل نصف راتب تبرز لنا حكايات وبرمات يحيكها قياديون كبار في جماعة الحوثي، يبدو أن لديهم ضوءاً أخضر، لاستغلال الموظفين والاستفادة من تلك الأنصاف بأي شكل من الأشكال، وهو ما يفعلونه كل موسم صرف لهذا النصف الذي لا يكفي لإعالة أسرة لأسبوع واحد..
وهو ما ظهر به لصوص الحوثي مؤخرا قبل الإعلان عن صرف نصف راتب، إذ ربطوا صرف هذا النصف بالاشتراك بخدمة اتصالية تجارية هي (ريال موبايلي) وبنك تجاري هو(كاك بنك)، وقد بدئ تجريبها قبل سنتين على موظفي التربية والتعليم، وهاهي اليوم تفرض بشكل إجباري على كل موظفي الدولة..
وبالطبع لم يكتف تجار الحرب التابعون للحوثيين بتفعيل خدمة النت وحسب وإنما تشغيل سوق الموبايلات الذي يشكل ثروات لقيادات كبيرة منهم، بالإضافة إلى رسوم التحويل عبر كاك بنك وشركات الصرافة، التي يديرونها هم أيضاً.
وهنا نستحضر قطاع موظفي التربية والتعليم الذين كانوا أول فأر تجريب لإجراء هذه العملية.. والذين بدوا بداية الأمر مثل الملطومين جراء فرض تحويل رواتبهم عبر خدمة ريال موبايلي في عملية تعقيداتها ومشكلاتها قد تجعل الموظف يكره الراتب وموعد تسلمه..!!
والملاحظات والمشكلات والتساؤلات حسب ما وصلنا ودققنا فيها بشكل حيادي أكثر من أن تثبت في مقال كهذا ولكن منها:
1- أن مدبري هذه الصفقة المستغلين يوهمون المستخدمين (بكسر الدال وفتحها لا فرق) بأن العملية عبارة عن إجراء حكومي ووطني بحت ومفروض على كل الموظفين.. وليست عملية أو صفقة تجارية ربحية بين جهات وأشخاص غامضين وراء الستار.
2- من المفترض أن هذه العملية خدمة اختيارية ومن حق أي موظف عدم الاشتراك فيها إذا لم يرد.. بينما موظفو الحوثي اليوم يوهمون الموظفين بأنها مفروضة لا اختيار فيها.
3- نسبة كبيرة من الموظفين لم ولن يستلموا رواتبهم بسبب عدم توافر إثبات هوية (ويشترط هنا البطاقة الجديدة ذات الرقم الوطني) ولا يتم قبول أي إثبات هوية آخر بما في ذلك جواز السفر الذي يعتبر الوثيقة الأكثر صحة ودقة ليس على المستوى المحلي وحسب وإنما على مستوى العالم.
4- يفترض لإتمام هذه العملية أن يمتلك المشترك هاتفاً خليوياً (موبايل) حديثاً بما يمكن تثبيت برنامج الخدمة وإجراء عمليات الحساب.. وهذا واحد من الأسباب التي تقف وراء تأخر نسبة من الموظفين في استلام رواتبهم بشكل شهري، بحيث لابد من مراجعة ومذكرات من جهة العمل وما إلى ذلك من تعقيدات، وموظفو التربية مثال على ذلك.. فقد فعلت الخدمة (التجربة) عليهم منذ بداية العام 2020م، حيث تم استخدامهم كفأر تجارب.
5- التعقيدات والملاوي والدهاليز التي تجري في عمليات الصرف والتحويل والاستلام، جعلها ويجعلها غير مدركة أو مفهومة لدى السواد الأعظم من الموظفين.. وهذا أيضاً من أسباب تأخر الصرف والاستلام وهناك نسبة كبيرة أيضا من موظفي التربية، رغم مرور عامين على تفعيل الخدمة معهم، ما يزالون يواجهون تعقيدات تجعلهم يعرضون عن تسلم نصف الراتب الذي لا يأتي إلا كل أربعة أشهر.
6- تجري العملية بين قطاع حكومي وقطاع مختلط ما يجعلها تندرج في حسابات القطاع التجاري أي هي في أصلها عملية تجارية نفعية ذات قيمة أو عائد (Business) وبالتالي يجب ألا يكون لها أية علاقة بالرقم الوطني الذي تشترطه الشركة في عقودها (شبه الملزمة) من طرف واحد.
7- عدم قبول جواز السفر كإثبات للهوية في جوهره هو عدم اعتراف بأبرز وأهم وثيقة رسمية ما يعني انتقاصاً في حق هذه الوثيقة الهامة وحاملها.. وباعتقادي لو دققنا هنا فإن للقانون قولاً وإجراء في هذا قد يصل حد العقوبة بالسجن أو الغرامة.
8- الترهيب الذي يستخدمه الحوثيون والتهديد للموظف بعدم تسليم راتبه (الذي هو حق مطلق لصاحبه وله حرية التصرف فيه) وإجراءات مجحفة وغير قانونية تصل إلى حد توقيفه عن عمله في حال رفض هذه الخدمة أو شكك فيها أو حتى تساءل عنها..!!
9- العقود الشكلية المفروضة والملزمة بشكل مطلق على الموظف، بعيداً عن أي شكل من أشكال التوافق الإيجابي والاختياري.. والتي تحتوي على بيانات وشروط تعني بالضرورة الجهة التجارية فقط.. ولا تحتوي حتى على نقطة واحدة في صالح المشترك.. تعد عقوداً لاغيةً وغير سليمة لأنها مفروضة فرضاً من طرف واحد وتلزم الطرف الثاني (المستخدم) بكل محتواها، وفي مقدمة ذلك الاشتراك في خدمة قد يكون مستغنياً عنها.. والخدمة في منزلة أو رتبة السلعة.
10- العملية أو بوصف أدق الخدمة تلزم أو تشترط أيضاً أن يكون لدى المستخدم خدمة الانترنت لإتمام إجراءاتها وخطواتها المعقدة، وإلا فلن تكون الخدمة جارية.. أي تلزم (ولا تخير) المشترك بتشغيل خدمة استهلاكية أخرى هي الانترنت التي من حق أي موظف بل أي مواطن أو فرد الاستغناء عنها وعن أعبائها وذلك من أجل تفعيل خدمة موبايلي وتحميل البرنامج الخاص بها من جوجل بلاي..
يعني لازم تكون من المؤنترين وإلا لن تحصل على راتبك.
11- الراتب حق شخصي ومطلق للموظف وليس من حق أي جهة أو شخص أو صفة، كائنة ما تكون، التحفظ غير القانوني عليه ولا الاستقطاع منه ما لم يكن ذلك استقطاعاً وطنياً (وليس تجارياً) متوافقاً عليه وصادر الأمر به من جهة عليا (أدناها في اعتقادي رئاسة الوزراء) ومعمماً به من تلك الجهة.
وما تزال هناك ملاحظات وتساؤلات كثيرة لو انبرى لها ودقق فيها محامون وقانونيون ومتخصصون، لاستطاعوا إثبات عدم قانونية وأحقية مثل هذه الألعاب التجارية المستغلة لظروف وحاجات الناس، ولأثبتوا أن القوانين تعاقب بالضرورة من يقف وراءها.