آراء

جولة في صراع كلاسيكي مزمن

صالح البيضاني

|
10:00 2022/01/09
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

ملف الحرب في اليمن يمكن القول إنه واحد من أكثر ملفات الصراع تعقيدا في العالم، نظرا لتشعباته الداخلية ما بين السياسي والجهوي والعقائدي وكذلك امتداداته وخلفياته التاريخية والثقافية التي أجزم بأنه لا يمكن تفسير كثير مما يحدث اليوم من تداعيات هذا الملف دون إلقاء نظرة فاحصة على تاريخ وخلفيات الحرب اليمنية التي لم تتوقف أصلا إلا لفترات متقطعة كانت الاستثناء، بينما ظل الصراع بأشكاله المتعددة هو الأصل والثابت.

وكقارئ لتاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر لا يخالجني شك بأن الحوثيين سينتهي بهم المطاف في جبال صعدة، كما حدث من قبل عشرات المرات ولكن بتكلفة بشرية هائلة وبركام من الأحقاد التي ستحضر حتما لجولة قادمة من الصراع الذي سيقوده أسلاف الحوثيين ولكن تحت مسمى جديد كما حدث في التاريخ اليمني لمرات ومرات عديدة.

وما يجعلني متيقنا بحتمية هذا المسار ليس الثقة في قدرة الأطراف التي تخوض الحرب اليوم في مواجهة المشروع الإمامي بحلته الحوثية، ولكن مرد الثقة بهذا المآل الحتمي هو الإيمان العميق بحركة المجتمع وقدرته على إحداث تغيير داخلي عميق في نهاية المطاف، كنتاج طبيعي لمدخلات سياسية واجتماعية متظافرة، يسرعها ويبث فيها الروح عدم رغبة الحوثيين في كسر دائرة الصراع التقليدي القائم على تقديم أنفسهم كسلالة تمتلك حقا إلهيا في السلطة والثروة دون باقي اليمنيين، متجاهلين بذلك عوامل عديدة من أبرزها أنهم يخوضون صراعهم الهاشمي العدناني المزعوم في موئل القبائل اليمانية القحطانية، هذا من الناحية الاجتماعية، إضافة إلى وجود عامل آخر يردفون به صراعهم الطبقي السلالي والعرقي ويغذونه كوحش سيلتهمهم في نهاية المطاف وهو تكريسهم لطبقية اجتماعية من نوع آخر قائمة على مبدأ إفقار اليمنيين وتجويعهم، مقابل خلق طبقة سلالية ارستقراطية اقتصادية وعرقية وهي أمور بات اليمني البسيط يلمسها ويئن منها بعد سبع سنوات فقط من سيطرة الحوثيين والذين مازالوا في حالة حرب، ويتساءل اليمنيون اليوم همسا في مجالسهم؛ ماذا سيفعل الحوثيون أكثر من ذلك إذا ما استتب لهم الأمر وانتهت الحرب كما يشاؤون!


ومن هذا المنطق تترسخ قناعة ثابتة لدى الكثير من اليمنيين بأن الحرب التي نشاهدها اليوم أو السلام الذي يتم الحديث عنه، لن يكون مجديا ما لم ينطلق من قراءة متعمقة لخلفيات الصراع اليمني الذي يزداد تعقيدا بشكل غير مسبوق، من حيث تعدد أطرافه الداخلية والخارجية، وتنوع مصادر تمويل هذه الحرب والمستفيدين منها، الأمر الذي يجعلها حربا غير تقليدية ضمن صراع كلاسيكي مزمن.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية