لا يزال باكراً حصول أي تغيير في ما يتعلّق بالسياسة الإيرانية في اليمن.
يؤكّد ذلك ما حدث في الساعات التي تلت مباشرة خروج حسن ايرلو، السفير الإيراني لدى الحوثيين من صنعاء بتسهيلات سعوديّة، من منطلق إنساني.
توفّى ايرلو لاحقاً جراء إصابته بـ«كورونا».
لن يعني ما حدث تغييراً في طريقة تعامل الحوثيين مع طهران.
ليس مطروحا ايّ تمرّد حوثي على إيران نظراً إلى وجود ولاء أعمى لدى من يسمّون أنفسهم «جماعة أنصار الله» لـ«الوليّ الفقيه» وهو علي خامنئي «مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية».
بكلام أوضح لا فارق بين «جماعة أنصار الله» في اليمن و«حزب الله» في لبنان في كلّ ما يتعلّق بالعلاقة بإيران وأسلوب التعامل معها.
مباشرة بعد تسهيل السلطات في المملكة العربيّة السعودية مغادرة ايرلو، وهو ضابط في «الحرس الثوري» الإيراني لصنعاء إلى البصرة في طائرة عسكريّة عراقيّة، تابع الحوثيون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة في اتجاه أهداف مدنيّة في المملكة.
من بين تلك الأهداف مطار الملك عبدالله في جازان.
في الوقت ذاته، ليس ما يشير إلى أي تغيير طرأ على الرغبة الإيرانية في الاستيلاء على مدينة مأرب.
المعارك ما زالت دائرة في مناطق قريبة من المدينة التي يحاول الحوثيون تطويقها من كلّ الجهات.
ليس سرّا أن إيران تستهدف إقامة دولة قابلة للحياة في شمال اليمن تكون قاعدة صواريخ لها في شبه الجزيرة العربيّة لا أكثر.
تستخدم هذه القاعدة لابتزاز الدول الخليجية العربيّة، في مقدمها السعوديّة التي تمتلك حدوداً طويلة مع اليمن.
في حال نجحت «الجمهوريّة الإسلامية» في مشروعها اليمني، ستكون لديها سيطرة مباشرة على منطقة تتمتع بثروات كبيرة، خصوصا في مأرب، وتمتلك ميناء مهمّاً على البحر الأحمر هو الحديدة.
كذلك ستكون لديها سيطرة على مدينة ذات تاريخ عريق هي صنعاء لعبت في الماضي دور المركز في اليمن.
أكثر من ذلك، ستسعى إيران مستقبلاً إلى حضّ الحوثيين على متابعة اعتداءاتهم على السعوديّة بحجة مطالب تاريخية بأراض معيّنة، كجازان ونجران، علما أن الحدود اليمنية -السعوديّة رسمت في عهد علي عبدالله صالح وجرى توقيع اتفاق رسمي في هذا الصدد.
صار الاتفاق بمثابة معاهدة بين بلدين.
وقّع الاتفاق بين وزيري الخارجية السعودي واليمني في جدّة بحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان لا يزال الأمير عبدالله وليّاً للعهد) وعلي عبدالله صالح في يونيو من العام 2000.
سيحلّ مكان ايرلو، في ضوء وفاته، ضابط آخر في «الحرس الثوري».
لن يتغير شيء في ما يخص الهدف الإيراني في اليمن.
لم تبذل إيران كلّ ما بذلته من جهود منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، كي تنتهي علاقتها بالحوثيين بسبب خلاف بين هؤلاء وبين سفيرها في صنعاء الذي كان بمثابة المفوض السامي فيها.
لا مكان لأيّ خلاف بين السفير الإيراني والحوثيين في ظلّ علاقة غير متكافئة.. إنّها علاقة بين آمر ومأمور.
وصل الأمر بحسن ايرلو قبل أشهر قليلة أن تفقد كلّيات في جامعة صنعاء وسط كلام عن تغيير في البرامج التعليمية في هذه الكلّيات بما يناسب التوجهات الإيرانية.
ليس معروفاً كيف دخل ايرلو إلى صنعاء.
لكنّه معروف كيف خرج في ضوء وساطة عراقيّة وعُمانيّة لدى السعوديّة.
معروف أيضاً أنّ إيران مستمرّة في ممارسة ضغوطها في اليمن وانطلاقاً منه.
تحتاج في هذه المرحلة بالذات إلى الورقة اليمنيّة أكثر من أي وقت، تماماً مثل حاجتها إلى الورقة العراقية والسوريّة واللبنانيّة.
تبدو الورقة اليمنيّة جزءاً من الضغوط التي تمارسها في مفاوضاتها غير المباشرة مع الإدارة الأميركيّة في فيينا في شأن ملفّها النووي.
في انتظار معرفة مصير هذه المفاوضات، التي يبدو أنّها ستمتد أسابيع وربّما أشهرا أخرى، ستتابع إيران استخدام الحوثيين في الضغط على مأرب.
لا يهمها مقتل آلاف من هؤلاء في حرب الاستنزاف التي يخوضونها حاليّاً.
تظلّ مصلحة إيران فوق كلّ ما عداها.
الحوثيون أنفسهم لا يرون فارقا بين مصلحتهم ومصلحة «الجمهوريّة الإسلامية».
يؤكّد ذلك أن تغريدة من ايرلو كانت كافيّة كي يرفضوا مبادرة السلام السعوديّة في مارس الماضي.
وقتذاك، كان الميل الحوثي إلى قبول المبادرة التي تسمح بإعادة فتح مطار صنعاء وفق ترتيبات معيّنة.
لكنّ السفير الإيراني سارع إلى رفضها.
انصاع الحوثيون لرغبات السفير من دون أيّ تردّد من أيّ نوع.
من المهم الآن التذكير ببعض ما ورد في تغريدة ايرلو في ما يخصّ المبادرة السعوديّة.
يساعد ذلك في فهم طبيعة العلاقة بين الجانبين.
قال ايرلو وقتذاك: «مبادرة السعوديّة في اليمن مشروع حرب دائمة واستمرار للاحتلال وجرائم الحرب وليست إنهاء للحرب (...)».
لم يتجرّأ الحوثيون على الاعتراض..
لا وجود لأيّ هامش يسمح لهم بالمناورة وأن يكون لديهم رأي في الأحداث والتطورات.
لم يتغيّر شيء في الأشهر القليلة الماضية في اليمن باستثناء أنّ الحوثيين لم يتمكّنوا من دخول مدينة مأرب وأن حرب مأرب تحوّلت حرب استنزاف بينهم وبين الإخوان المسلمين الذين هم جزء من جيش «الشرعيّة» اليمنيّة.
هذه «الشرعيّة» التي استفاقت أخيرا على أنّ عليها الدفاع عن وجودها في مأرب لأن خيار الاستسلام أمام الحوثيين يعني الانتحار لا أكثر.