على خطى أسلافها؛ مضت الملشيا الحوثية في الاستهانة بتاريخ اليمن.. فأينما حلت حل الخراب في المعالم التاريخية، إما بتحويلها مواقع عسكرية او مخابئ لسلاحها ومسلحيها؛ كي تعرضها للقصف والتدمير في حربها العبثية؛ او نهب القطع الأثرية وبيعها لمافيات خارجية، دون اعتبار لحرمة التاريخ، بذريعة انه مخلفات ازمنة وثنية، رغم ان قدماء اليمن لم ينحنوا أبداً لوثن، بل رفعوا جباههم للشمس، وما سمعوا عن ديانة الا نصروها.. فيما الحقيقة ان هذا الاستهداف سببه عقدة عصبوية قديمة وحقد متوارث على عراقة اليمن واعتزاز ابنائه بذاتهم الحضارية.. فالعصبيات الوافدة- بحسب علماء الاجتماع- تظل تلازمها عقدة الدونية امام اُصلاء البلد!.
نموذج هذا الحقد المتوارث يبرز في المناطق الساحلية التهامية التي تمتلك العديد من القلاع الأثرية والتاريخية، وتعرض معظمها لتدمير كبير.. فخلال حربها العبثية تعمدت الملشيا وضع أسلحتها وعناصرها وسط قلاع تاريخية في زبيد والدريهمي وغيرها، وجعلوها هدفا للطيران ليتم تدميرها، ودمرت قصر السُخنة التاريخي إلى الجهة الشرقية للحديدة، التي تضم مبانيَ مُدْرجة على قائمة التراث العالمي.
ولم يقتصر حقدها على عراقة اليمن القديم، بل حتى موروثه الاسلامي تعرض للعبث بسبب عقدة طائفية تدفعها لطمس كل مايخالف مذهبها.. ولعل مكتبة زبيد التاريخية شاهدٌ على عنصرية متجذرة!.
هذه زبيد.. أرض الحصيب، وحاضرة وادٍ خصيب، وثاني أهم مديرية في الحديدة.. مدينة من زمن القرآن ومواكب النور، ونفحة أشعريٍّ عظيم مِن فجر النبوة.. وبساطةُ بشرٍ عُرفوا بالأرق قلوبا والألين أفئدة، منذ كان اشاعرُها أوائلَ أنصار النبي الأعظم، ومن شرّفوا اليمن بلقب الإيمان والحكمة اليمانية، قبل أن تصبح زبيدُهم قِـبلةَ عِلم، ومصدرَ إشعاع فكري، ومَجمعَ مناراتٍ ومساجد، وعاصمةَ قائدٍ زيادىٍّ رشيد من زمن هارون الرشيد؛ قفز بها من منطقة هامشية إلى واجهة المدن الزاهرة لتنافس مراكز الثقافة الإسلامية كبغداد والكوفة ودمشق والقاهرة، حيث كان العلمُ بضاعتَها الأشهر تُصدِّره إلى طلابٍ من ارجاء اليمن والعالم الاسلامي، شدّوا إليها الرحال بعدما ذاع صيتها وانفتاحُ علمائها، ليحظوا بخدمات تعليمية جليلة في الدين واللغة والأدب والفلسفة والعلوم الطبيعية.. فمن هنا عَرف العالَمُ كلمة (الجبْر) في الرياضيات والذي يُنسب لعالمٍ زبيدي.. وهنا توفي الفيروزبادي- اللغوي الفارسي مؤلف القاموس المحيط.. وهنا عمارةٍ تهامية عريقة يحتضنها سورٌ مديد من الياجور، وأبراج وقلاع قديمة، و 4200 منزل تاريخي أعمارها مابين200- 600عام، مادفع اليونسكو لضمها الى مدن التراث العالمي منذ عام93 بجانب صنعاء وشبام.. ومن اهم معالمها مكتبة زبيد التاريخية التي تختزن كنوزاً اثرية، وأمهات كُتب توثق تاريخ الفتوحات الاسلامية وواقع العالم العربي والإسلامي، وكتب من حقبة ماقبل الهجرة، ومراجع عن سلسلة القبائل اليمنية والفقه والميراث، ومركزا للمخطوطات الأثرية، بينها مخطوطات على جلود الحيوانات.. غير ان هذه المكتبة لم تسلم من حقد الملشيا، إذ اقدمت عام2019 على نهب كل محتوياتها من آثار ومخطوطات وكتب تاريخية وعلمية، ومدفعها الأثري الرمضاني، بعد أن اختطفت مدير المكتبة هشام ورّو واخفته ل4 أشهر تحت التعذيب، بتوجيهات من مشرفيها، قبل ان يُفرج عنه بعد التزامه بتسليم المكتبة والصمت عن جرائمهم.
الخلاصة أن جواهر الحضارة الإسلامية دُمرت في اليمن.. وبحسب اليونسكو لايمكن إعادة بناء ماهدمته الحرب.. وماتبقى منها مهدد إما بالتدمير او النهب او الاهمال، بسبب لعنة حوثية تمارس العمليات العسكرية في المنطقة وتفخيخ معالمها وترفض تجنيبها القتال، علاوة على مساحات تهامية شاسعة زرعتها ألغاماً لتحصد آلاف الأبرياء، بدلا من ان تزرع مايطعمهم من جوع ويؤامنهم من خوف!