قال حيدر العطاس في قناة العربية قبل أيام أن الرئيس صالح وعبدالله بن حسين الأحمر كانا زيديين (العطاس استخدم كلمة "زيود")، وأنهما كانا أوفياء للمذهب.
وأضاف: رغم أنهما كانا يضمان في الصلاة، وأن صالح كان يرفض أن يقولوا عنه زيدي، فما ذلك إلا لخداع الناس وتضليل من أسماهم أهل "السنة" في الوسط والجنوب!
تخيلوا أن يصدر كلام كهذا عن رجل كان يوماً رئيس الوزراء في الجمهورية اليمنية!
هذا لا يعني أن العطاس الوحيد الذي يمارس الخلط الفاضح بين المنطقة والمذهب، فنحن نعرف أن هذا الخلط شائع بشكل مريع حتى لدى طبقة المتعلمين والمثقفين.
ولا شيء أكثر بطلاناً من هذا الخلط. المذاهب ليست أقاليم جغرافية، ولا جينات وراثية لا تزول. المذاهب في كل مكان هي اختيارات فردية متغيرة. هذه السمة تتجلى بشكل أوضح في منطقة "اليمن الأعلى".
ماذا لو قمنا بتطبيق هذا المنطق السخيف للعطاس على العطاس نفسه؛ فنقول مثلاً أن الرجل باعتباره من عائلة علوية حضرمية تعيد نسبها إلى أحمد بن عيسى المهاجر، ليس سنياً شافعياً بل يخادع الناس فجده الأول أحمد بن عيسى كان شيعياً جعفرياً عندما جاء من العراق إلى حضرموت قبل ألف عام، وبالفعل كان المهاجر شيعياً وهو من نسل الإمام الشيعي محمد الباقر، ولدى وصوله إلى حضرموت أصبح شافعياً كما يقال، فهل كان يخفي تشيعه، وعلى هذا المنوال هل لا يزال أحفاده وذريته وصولاً إلى العطاس يخفون تشيعهم لخداع الناس؟
هل هذا منطق مقبول ومعقول؟
من السهل معرفة دوافع العطاس في ربط صالح والأحمر بالزيدية، فهو يقول هذا الكلام في سياق تحريضي كريه لتعزيز روايات الانقسام الطائفي وإعطاء حتى الصراعات السابقة هذا الطابع بأثر رجعي.
قل عن صالح أو الأحمر ما تشاء، إما كخصم أو كصديق، لكنهما ما كانا زيديين قط، لا بالمعنى السياسي الزيدي الذي يتمثل فقط في الولاء لإمام علوي قائم، ولا بالمعنى الديني العقائدي في الصلاة والعبادة.
الزيدي فقط هو من يقول أنا زيدي أو يوحي بالتصرف على هذا الأساس. فالمرء لا يخطىء مثلاً إذا ما اعتبر الحوثي زيدياً، فهذا الأخير زيدي بالفعل؛ سلوكاً وخطاباً ومنطقاً وطقوساً وتاريخاً، وهو لا ينكر ذلك ولا يخفيه.
مع إن اليمن متعدد مذهبياً، ولم يكن غريباً ولا ممنوعاً، في ظل الجمهورية، أن يكون أي شخص -على الصعيد الفردي- زيدياً أو شافعياً أو اسماعيلياً أو لامذهبي ولاديني من الأساس. فالغريب والممنوع، بالنسبة للوطنية الحديثة، هو استخدام الانتماء المذهبي قاعدة للتنظيم السياسي والتعبئة والحشد والتسلط أو التظلّم، قاعدة للحكم أو للاحتجاج على الحكم، فمن هذا المنحى تنشأ تلك الآفة التي بات يطلق عليها في العقود الأخيرة اسم "الطائفية".
سيقال أن صالح والأحمر لم ينسلخا من الزيدية باعتبارها جغرافيا! ولا أدري كيف يمكن للمرء أن يتنصل عن المكان الذي صادف أنه ولد فيه. فالميلاد ليس من الأمور التي تقع في مجال اختيارنا. ثم إنّ "الزيدية الجغرافية" هي من الأوهام الحديثة العجيبة، أوهام مثقفين، فلا يوجد في تربة وصخور أي منطقة ما هو زيدي أو شافعي بالطبيعة وإلى الأبد.