عندما تكتظ صنعاء بصور قاسم سليماني، فإن ذلك لا يقدم أي جديدٍ بخصوص التحالف القائم والمعلن بين إيران والحوثيين، لكنه أمر بالغ الدلالة فيما يخص طبيعة ونوعية هذا التحالف.
مبرر "فلسطين" و"إسرائيل" لا يلغي الحقيقة الصغيرة جدا وهي أن سليماني أولاً وأخيراً جنرال عسكري، برتبة لواء، في جيش بلد أجنبي.
و هذا هو مكمن الدلالة:
فالحوثيون بالأساس، مثلهم مثل كل الحركات المسلحة الحليفة لطهران، ليسوا حلفاء لمجرد إيران الدولة، أو إيران السياسة، بل حلفاء للقوات المسلحة الإيرانية (الحرس الثوري وتشكيلاته).
المبالغة في الاحتفال بسليماني من قبل حزب الله في لبنان، والتشكيلات المسلحة في العراق، والحوثيين في اليمن، ليست في الواقع مبالغة، لقد كان الرجل (ومن خلفه الجيش طبعاً) صاحب القرار الأول والأخير، بين كل دوائر القرار الإيرانية، فيما يخص التمويل وأرقام الدعم، ولم يكن الأكثر سخاء وحماسا فحسب، بل بدونه ربما كانت العلاقات بين هذه الجماعات وإيران أقل حميميةً وأكثر فتورا.
المؤسسة السياسية في طهران أكثر حذراً، وأكثر شحاً، لكنها ليست صاحب الكلمة، بل الحرس الثوري الذي يصنع وينفذ معظم سياسات إيران في المنطقة.
بعد دخولهم صنعاء نفذت قيادات من الحوثيين، على رأسها الصماد، زيارتها الشهيرة لطهران بطائرة من مطار صنعاء، استقبلتهم "الحكومة" الإيرانية بوعودٍ لدعم بعض مشاريع التنمية، ولم تفِ بتلك الوعود الشحيحة أصلاً. بينما سليماني (والحرس الثوري) بادر قبل أن يعد، وأوفى بأكثر مما وعد.
حتى السفير الإيراني الجديد لم يأت من السلك الدبلوماسي، إنه محارب سابق في الحرس الثوري، والمعنى أنه سفير لجيش بلاده وليس لدبلوماسيتها.
كل تحالفات طهران في المنطقة، هي تحالفات مع جماعات مسلحة (باستثناء تحالفها مع الدولة السورية)، وهذه مشكلة إيران الحقيقية، كما هي مشكلتنا اليوم.
وجذر المشكلة أن قرار علاقاتها وسياساتها في المنطقة، يحتكره الجيش، وحين تكلف عسكرياً بإدارة علاقات دولية فلا تتوقع منه نتائج دبلوماسية.
وعلى العكس حين تتعامل (طهران) مع العالم، والغرب تحديدا، فإنها تتعامل معه عبر مؤسستها السياسية والدبلوماسية وهو ما يجعلها تنجح في اختراق الكثير من المواقف الدولية المتشددة ناحيتها.
لم يؤكد الحوثيون ارتباطهم "عقائديا" وتمويلا وتسليحا وتدريبا بجيش بلد أجنبي (لا بحكومته كحليف سياسي من موقع الندية)؛ كما أكدوها اليوم عبر تحويل كامل صنعاء إلى مهرجان احتفالي صاخب بالجنرال وصوره.