كلما شرعت بالكتابة حول هذا الموضوع، أُطلق تنهيدة ثم أتوقف، فالحديث ذو شجون، والجانب الأكثر إيلاماً فيه هو المتعلق بنا نحن، وليس بالحوثي أو بالإمامة.
أحتاج أن أشرح الكثير لكي أقنع بعض الرفاق الذين التحقوا بمعركة الجمهورية من منتصفها، بأن يقرأوا المشهد من أوله، فلقد عشته يوماً بيوم، منذ الأسبوع الأول في الحرب الأولى في صعدة عام 2004، والتي كنت أسمع مدافعها في نشور والرزامات.
مشكلة الكثيرين، أنهم كانوا يظنون أن اللعبة من أولها إلى آخرها هي لعبة علي عبدالله صالح وأن الحوثيين صناعته، غير مدركين أن هذا المشروع العنصري البغيض عمره أكثر ألف عام، وأنه أسقط في حقب سابقة أنظمة كانت أقوى من نظام صالح، ولم يصنعوا بعدها سوى الخراب.
ولقد صارعت كثيراً خلال الحروب الست، عبر صحف المعارضة، أحاول إيضاح ما هو الحوثي، ومستنكراً وصف المعارضة المتكرر لإخماد التمرد في صعدة، بأنها حربٌ عبثية. ويقيني أن المعارضة لو وقفت موقفاً مسؤولاً إلى جانب الحكومة خلال إخماد التمرد لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لكن حسابات السياسة عبثت بثوابت السيادة، وكان كل همهم ألا يقال إن صالح كان على حق، حتى المدركين منهم لخطورة الحوثي.
سارت احتجاجات 2011، بطريقة لا تهدف إلى إبعاد صالح من السلطة فحسب، بل لتجريده من كل صيد معنوي ومن كل إيجابية صنعها. تم تصوير مواجهته لتمرد الحوثيين وكأنها واحدة من "جرائمه"!
ما أريد قوله باختصار هو الأسئلة التالية:
ماذا لو قُتل صالح على يد التحالف؟ هل كان الحوثيون ليتركوا دمه؟! أجزم أنهم كانوا سيثوّرون اليمن كله طلباً لثأره، ولسوف يظهرون عهده بأنه كان عهداً ذهبياً يفوق عهد هارون الرشيد!!
وماذا لو قتلوه دون أن يوضح موقفه في بيانه الأخير؟ وماذا لو مات حتف أنفه موتة طبيعية؟
المهم أن الغالبية من خصوم صالح، رفعوا أكفهم للسماء لكي تنجح ثورة ديسمبر، وجميعنا يتذكر المقولة التي قيلت على أنها لسان حال معارضيه يوم استشهاده رحمه الله؛ أن صالح عاش حين أردنا له أن يموت ومات عندما أردنا أن يعيش.
علي عبدالله صالح هو رئيس منا، حكم اليمن 33 عاماً بحلوها ومرها، أصاب وأخطأ، وحمل اسم اليمن في كافة المؤتمرات والمحافل، عشنا معه لحظات من الفخار الوطني العريض، وعشنا معه لحظات أخرى من الانكسار.
هي تجربة علينا أن نقراها بمسؤولية عميقة، متخففين من ثاراتنا الحمقاء. أقول هذا للتاريخ؛ إذ لم أكن يوماً من مقربي صالح، ولا من أعضاء حزبه، ولا من مسؤولي حكومته؛ بل إنني فقدت في عهده وظيفتي الحكومية كمدرس. والمرة التي قابلته فيها كانت في سبتمبر 2013، حينما زرته إلى منزله ونصحته أن الأمور بهذا المنحى سوف تفضي لضياع الوحدة والجمهورية.
رحم الله الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح ورفيقه الشهيد عارف الزوكا، وكل شهداء انتفاضة ديسمبر، وكل الشهداء الذين قضوا في مواقع الشرف والبطولة منذ ما قبل الـ26 من سبتمبر 1962 وحتى اليوم