لم تكن ثورة الـ26 من سبتمبر حاضرة كذكرى بل وأيضا كحاضر، كمجد، كتضحيات، كأبطال، كحلم وحدوي، كاتفاق نضالي، كأول مرة، كعهد وميثاق شرف لاستكمال ما بدأه سبتمبر 62م وتحقيق أهدافه واستعادة النظام الجمهوري.
اليمن الذي نحب، يمن الثورة والنظام والجمهورية والوحدة والديمقراطية كان حاضرا هنا في مخاء- تعز، حاضرا بماضيه، بغده، بإيمانه، بحكمته، برفضه، بتضحياته بصبره، بقوته، بغطرسته، بأحلامه وتطلعاته، برقصه وفرحه.
في البدء كان أيوب، بصوته الثائر الذي يملأ الأرجاء، بتأثير عزفه الحماسي تنبت للكلمات أقدام تشعر بها تسري على مساماتك، تحقنها بالأثير، صوته المتدفق من مكبرات الصوت يملأ الفضاء بالمجد، يعيد المجد صياغة الملامح، الوجوه، ما أن تنظر حولك حتى يفاجئك ذاك التطابق الحاد لوجوه الحاضرين، كأن الجميع يرتدون وجها واحدا. تتساءل كيف لذاك الإيقاع الثوري في ذكرى الثورة أن يحقق ما نحلم به وندعو له في فورة الثورة من توحيد للجهود في ظل عدالة القضية وأحقية الخلاص من مليشيا الحوثي؟!
انطلق النشيد الوطني ومعه تلاشى حتى الاختلاف التضاريسي في الوجوه، استعجب الآن حرصنا الشديد على أن تستوعب فعالية إيقاد الشعلة جميع ألوان الطيف السياسي من ممثلي أحزاب، وجميع الوان الطيف العسكري أيضا....الخ
بدت المخا مصبا وطنيا، هي التي تشكل تفاصيل الانطلاقه الوطنية.
من محافظات مختلفة تقاطرت الوجوه، جنوبا وشمالا، بدد المجد كل الاختلافات وطبع ملامحه الجسورة المقدامه الوقورة على الوجوه المحتشدة.
للتضحيات فعل المجد وقد أذابت كل التباينات في قبضة الهدف والمصير الواحد لمواجهة مليشيا الحوثي واستعادة مكاسب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
ثم كان الآنسي:
"يا ابن" السعيدة" لا تقل فات القطار
أنت القطار بلا محطات انتظار
واصل مسيرتك الفتية
في وثوب وانتصار
وعلى الخطى السبتمبرية
واكب خطى شمس النهار".
بخطوات عسكرية منتظمة، لشبان وشابات، وأطفال، وعسكر تتقدم الفرق الكشفية، للأغنية وقعها الحماسي في تنظيم الإيقاع الملتهب للخطوات تلك.
من أقصى العرض يلوح خيط ضوء قبل أن يفرد جناحيه ملئ الباحة، نحدق وإذا بهم البراعم الصغار، صغيرات بأعين تُلمّع فيهن أغاني الثورة أحلامهن لتبدو واضحة متوهجة.
هكذا اتقدت الثورة في إيقاد شعلتها، لم نكن بحاجة للنار لإشعال رمادها، أجزم بذلك، فالحنين إلى مستقبل جميل وآمن، الحنين الحالم المتقد في أعين وأفئدة الأطفال، كان كفيلا بفعل ذلك ...