لم تكن مصر، يوماً داعية للحرب أو ساعية إليها، فهدفها هو السلام والبناء والإعمار وتنمية المجتمع، وتطوير العلاقات مع محيطها العربي والدولي على مختلف الصعد، بل سعت بكل الطرق الدبلوماسية لحلحلة القضايا الشائكة وتهدئة الأوضاع وإطفاء الحرائق، مُستغلة علاقاتها الواسعة في ذلك، وأطلقت عدة مُناشدات ومبادرات لحل الأزمة الليبية عن طريق الحوار والتي كان آخرها المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع شهر يونيو الماضي، والتي قوبلت بترحاب إقليمي ودولي واسع، كونها تسعى إلى حقن الدماء الليبية والتوصل إلى حل سياسي شامل يرضي جميع الأطراف داخل ليبيا، بما يحفظ أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، وينعكس ذلك الاستقرار على المنطقة والإقليم.
لكنها في المقابل، لا يمكن أن تسمح بأي حال من الأحوال، بتهديد أمنها القومي، وكذلك الأمن القومي العربي من خلال التدخلات الفجّة والمباشرة التي يقوم بها أردوغان، لتحقيق أحلامه التوسعية وإحياء أوهام "الخلافة العثمانية" ودعم الحركات المتطرفة التي تعمل على إقلاق الأمن والاستقرار، وتنفيذ أجندة خارجية، خاصة بعد المناشدات من قبل الأطراف الوطنية الليبية التي لجأت للقاهرة لإنقاذ بلدهم من هذه المغامرات التركية غير محسوبة العواقب والتي تسعى للسيطرة على النفط الليبي كما أعلن ذلك أردوغان صراحةً وبدون أو وجل، إضافةً إلى تحركاته وتوجهاته التوسعية في الصومال وقطر، ومحاولة أدواته فتح جبهة أخرى في اليمن.
يُدرك الأشقاء المصريون جيداً، أن أي مواجهات محتملة في ليبيا مع تركيا ومرتزقتها، قد فُرضت عليهم فرضا، بسبب طيش وتهور أردوغان، الذي لم يستفد من تجربته الخاسرة في سوريا التي، أسفرت عن سفك دماء مئات الآلاف من الأبرياء من أبناء الشعب السوري الشقيق، وتشريد الملايين منهم، وتدمير البنية الأساسية للبلد، وذلك بعد احتضانه ودعمه اللامحدود الجماعات المتطرفة، التي لا تزال تسفك الدماء حتى اليوم، لذلك يلتف الشعب المصري العظيم ومجلس نوابه، خلف قيادته الحكيمة التي لن تفرط بذرة واحدة من تراب مصر الطاهر، وأمنها القومي الممتد من ليبيا إلى باب المندب.
ليس الأشقاء المصريون وحدهم من يدرك هذه المخاطر والتحديات الجسام التي تُحدق بمصر والوطن العربي، فكل العرب الأحرار يرفضون هذه التدخلات السافرة من قِبل تركيا أردوغان، وقطر، ويدعمون مصر العروبة في الدفاع عن نفسها وأمنها القومي وكذلك الأمن القومي العربي، في حال تهور أردوغان وتجاوز الخطوط الحمراء.
معروف عن الجيش المصري العظيم أنه التاسع عالمياً، والأول على مستوى الشرق الأوسط، ولن يفرط في أمن وطنه مهما كانت التضحيات، ومعروفٌ عنهم أيضاً أنهم خير أجناد الأرض، فهل يعي أردوغان ذلك ويسعى للضغط على "حكومة السراج" للقبول بالحل السياسي، ويجنب المنطقة ويلات حرائق هي في غنى عنها؟؟ أم أنه سيغامر كعادته ويلحق خلف طيش من يُنظّرون له ويوهمونه بأنه سيكون "خليفة المسلمين" وأن أسطنبول ستكون عاصمة "الخلافة المزعومة"؟؟
الأيام والأسابيع القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة..