نازحون وطلبة وباحثون عن فرصة سفر أو عمل، ورجال أعمال ومسؤولون يمنيون كانت مصر وجهتهم المفضلة وقاسما مشتركا يجمعهم هربا من كابوس الحرب الجاثمة على بلادهم.
أكثر من مليون يمني في مصر بين نازح ومقيم، وفق تقديرات غير رسمية، يتوزعون في محافظات ومدن مصرية عدة أبرزها العاصمة القاهرة، ومدن الإسكندرية وأسيوط والمنصورة بمحافظة الدقهلية، لدرجة أن بعض الأحياء غلب عليها الطابع اليمني بمطاعمها ومقاهيها.
تعيش شريحة من اليمنيين في أحياء راقية في القاهرة مثل المهندسين والزمالك ومصر الجديدة والسادس من أكتوبر، فيما لجأ آخرون إلى الأحياء الشعبية التي تكون تكلفة الإيجار فيها أقل، وفرصهم كبيرة للحصول على مسكن صغير يتناسب مع قدراتهم المالية خاصة، فيما يعجز الكثيرون عن سداد إيجار مسكنهم.
الطلاب
يشكّل الطلاب نسبة كبيرة من الجالية اليمنية في مصر، وهم ينقسمون إلى شرائح مختلفة، فطلاب التعليم الجامعي يتوزعون ما بين طلاب منح التبادل الثقافي بين مصر واليمن، وهم الطلاب المبتعثون رسمياً من قبل الحكومة اليمنية، وطلاب المنح الخاصة التي تمولها جمعيات خيرية يمنية، بينما يدرس العدد الأكبر من الطلاب في جامعات خاصة على نفقتهم بنسبة تتراوح بين 60 و70%، بحسب مسؤولين في الجالية لـ"إندبندنت عربية".
يقدر عدد الطلاب اليمنيين في الجامعات المصرية بنحو أربعة آلاف طالب يعاني أغلبهم تأخر رسوم الدراسة ونفقات الإعاشة التي من المفترض أن يتم إرسالها كل ثلاثة أشهر، ونتيجة الحرب ترسلها الحكومة للملحقية الثقافية التابعة لوزارة التعليم العالي، وهي الجهة المسؤولة عن الطلاب كل ستة أو تسعة أشهر، مما يؤدي إلى تأخر امتحانات الطلاب أو تأجيل موعد مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، ما دفعهم لتنظيم اعتصامات متكررة بين الحين والآخر في السفارة والملحقية الثقافية للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية.
ويرتاد الطلاب في مرحلة التعليم قبل الجامعي مدارس خاصة، بعدما قام رجال أعمال يمنيون بتبني مشروعات لإنشاء مدارس يمنية خاصة في مصر، بدأ بمدرستين في القاهرة غير أن ارتفاع رسومها يحول دون التحاق الطلاب اليمنيين بها، ما اضطرهم للالتحاق بالمدارس الحكومية المصرية أو الخاصة أو البقاء في منازلهم محرومين من التعليم.
مصادر الدخل
تعتمد النسبة الأكبر من اليمنيين في مصر على المساعدات، ومساعدات أقاربهم وعائلاتهم في الخارج، بينما يمتلك عدد منهم مشروعات تجارية، فيما يعيش آخرون على مدخراتهم التي نفدت على أسر عديدة ووجدت نفسها بدون مأوى غير قادرة على تسديد نفقاتها المعيشية، في ظل الارتفاع المتصاعد في أسعار السلع والخدمات وأجور السكن في مصر.
استثمارات يمنية
لجأ كثير من رجال الأعمال وشخصيات اجتماعية إلى مصر منذ اشتعال فتيل الحرب ونزحت معهم رؤوس أموالهم بفعل المضايقات الحوثية وسعوا لاستثمارها من جديد في مشروعات إضافة إلى توسيع نظيرتها التي كانوا يمتلكونها قبل الحرب بما يلبي حاجة اليمنيين الذين تزايدت أعدادهم مثل المطاعم اليمنية التي تتنوع وجباتها وتشهد إقبالا حتى من غير اليمنيين، بالإضافة إلى تأسيس مدارس يمنية.
وأكد رجل الأعمال مراد المالكي "أن الاستثمار اليمني بالعقارات في مصر شهد انتعاشا كبيرا مع تقارير تتحدث عن شراء اليمنيين لنحو أربعين ألف شقة وعقار في القاهرة وعدد من المدن المصرية، بالإضافة إلى تأسيس عدد من الشركات والمكاتب اليمنية التي تقدم الخدمات العقارية، ما أسهم في ارتفاع أسعار الشقق والإيجارات في المناطق التي يتركز فيها اليمنيون خاصة أحياء الهرم وفيصل والدقي وبعض مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة".
ولفت إلى الاستثمارات اليمنية تتنوع بين محال بيع المخبوزات اليمنية ومؤسسات للخدمات الطبية وشركات للسفريات والسياحة وتسهيل إجراءات السفر للخارج، وشركة للخدمات التعليمية.
ظروف صعبة
يعيش عدد كبير من النازحين اليمنيين في مصر ظروفا بالغة الصعوبة سواءً كانوا جرحى أو مرضى أو طلابا، فعدد كبير من جرحى الحرب يشكون عدم قدرتهم على تحمل نفقات علاجهم التي تنصلت منها الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتؤكد مصادر طبية "أن جرحى الحرب في تعز يعانون ظروفا قاسية وغير قادرين على تحمل العلاج في المشافي، أو دفع نفقات الفحوصات والدواء، ما تسبب في تفاقم حالاتهم وأوجاعهم، ووجد بعضهم نفسه ملقى على أبواب المستشفيات بعد أن استنفد كل مدخراته وعجز الأهل عن مساعدته".
وأضافت المصادر "هناك متاجرة بأوضاع الجرحى وعدم الاهتمام الكافي بهم بحجم التضحيات التي قدموها في سبيل الوطن".
لاجئون
يقدر عدد اللاجئين اليمنيين بنحو 5770 لاجئاً مسجلا في مكتب مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر، ويعانوا ظروفا معيشية صعبة في ظل غياب رعاية منظمة شؤون اللاجئين لهم، وتجاهل المنظمات الدولية، ناهيك عن محدودية الامتيازات الممنوحة لهم بموجب الكرت الأصفر.
المساعدات
منذ بداية الحرب وتزايد أعداد النازحين اليمنيين في مصر قامت الجمعيات الخيرية بدور كبير في مساعدة النازحين الفقراء، سواء الراغبين في العلاج أو المساعدة في تدبر النفقات الأساسية للمعيشة، غير أن هذا الدور تقلص إلى حد كبير لأن العدد فاق إمكانيات الجمعيات، إضافة إلى تراجع مساعدات رجال الأعمال اليمنيين الذين تعرضت أنشطتهم التجارية في اليمن لأضرار بالغة بسبب الحرب.
وقام عدد من الأطباء اليمنيين في مصر بتأسيس لجنة طبية لخدمة المرضى اليمنيين، وتقوم اللجنة بمساعدة اليمنيين مجاناً من خلال عيادات مختلفة لأطباء يمنيين ومصريين، كما تقوم اللجنة بالتنسيق مع بعض المستشفيات ومراكز الأشعة والتحاليل التي تقدم تخفيضات كبيرة للعالقين اليمنيين.
مبادرات مجتمعية
أنشا اليمنيون في مصر عددا من المبادرات المجتمعية مثل "يمنيون في مصر"، و"ابن اليمن" التي قامت بمساهمات فاعلة في إرشاد اليمنيين حال الوصول إلى مصر، وكيفية تجنب عمليات الابتزاز وآلية البحث عن سكن مناسب والإجراءات اللازمة للتسجيل، واستخراج الإقامة أو التسجيل في المدارس المصرية أو الخاصة.
ونظمت هذه المبادرات عددا من اللقاءات لشباب الأعمال اليمنيين في مصر لمناقشة الأفكار التجارية المناسبة لإقامة مشروعات يمنية في مصر، وتبادل هذه الأفكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة عبر فيسبوك التي يصل أعضاء أحد المجموعات إلى 200 ألف عضو.
وتستخدم منصات التواصل الاجتماعي للاستفسارات عن الإجراءات الرسمية المصرية، وآلية التعامل معها وأحيانا للإعلان عن بيع وإيجار الشقق، أو بيع الأثاث لليمنيين الراغبين في مغادرة بلاد النزوح.
ملتقى المغتربين
تعد القاهرة ملتقى المغتربين اليمنيين في الولايات المتحدة مع عائلاتهم خصوصا بعد القرار الأميركي الأخير بمنع دخول اليمنيين إليها ورفضها منح المجنسين اليمنيين تأشيرات لدخول عوائلهم، إضافة إلى صعوبة سفرهم إلى اليمن بفعل الحرب التي تشهدها البلاد، ما جعلهم يفضلون مصر كملتقى مؤقت للم الشمل.
وبفعل تعطل السفارات والقنصليات الأجنبية في اليمن لجأ عدد كبير من اليمنيين إلى مصر لاستكمال معاملاتهم للحصول على تأشيرات السفر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة التي تستغرق فترات طويلة قد تصل إلى أكثر من ثلاث سنوات.
وشكّلت مصر وجهة مناسبة لكثير من العوائل اليمنية التي كانت مقيمة في السعودية بعد رفع السعودية رسوم الإقامة إلى مستويات من الصعب تحملها مما اضطرهم للسفر الى مصر للحياة والعيش بشكل مؤقت.
ملتقى الأفراح
تنظم الجالية اليمنية باستمرار احتفالات زفاف لأبناء النازحين خصوصا المسؤولين والتجار أو المغتربين، بنكهة خاصة غالبا ما تبدأ بالنشيد الوطني لتحيي فيهم حلم العودة إلى الوطن.
حلم العودة
وتحولت مقاهي أحياء الدقي وفيصل بالجيزة إلى ملتقى لليمنيين، وفرصة لتبادل الأخبار واستعادة الذكريات، وتشكل بطبيعتها تجمعاً يكاد يغطي فئات وأعمار الجالية اليمنية كافة، من طلاب وباحثين عن العلاج وعمال في مطاعم وتجار ونازحين دون عمل، وكأنها خريطة إنسانية لأوضاع اليمنيين في مصر.
وتعد مصر بالنسبة إلى اليمنيين وطنا ثانيا، وليست مجرد بلداً للنزوح، خصوصاً أن معظم اليمنيين تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات اليمنية على يد أساتذة مصريين.