في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية التي يمر بها المواطنون في اليمن، صدر قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم (11) الذي شمل عدة محاور ضمن خطة الإصلاحات الإقتصادية الشاملة لإيقاف تدهور العملة وتصحيح مسار مؤسسات الدولة ، وكان من ضمن محاور القرار رفع التعرفة الجمركية كقضية محورية تُثير الكثير من الجدل والقلق.
هذا القرار، الذي يهدف غالبًا إلى تعزيز الإيرادات الحكومية وإيجاد سيولة مالية لتغطية عجز موازنة الحكومة الشرعية، لكن هذا القراريضع ضغطًا إضافيًا على كاهل المستهلك اليمني الذي يعاني بالفعل من ارتفاع جنوني في الأسعار وتدني مستويات الدخل وعجزه التام عن الشراء في ظل توقف المرتبات وارتفاع الأسعار المخيف.
لقد بات السؤال ملحًا بعد تسبب القرار موجهة كبيرة من المخاوف الشعبية وأصبح حديث الشارع اليمني الذي يتساءل هل يمكن للمواطن تحمل تبعات هذه الزيادة، التي من المتوقع أن تترجم مباشرة إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك الأدوية والأجهزة الكهربائية والسيارات؟
ولمعرفة آراء اليمنيين أجرى موقع قناة اليمن اليوم، هذا الاستطلاع الذي يهدف لرصد نبض الشارع اليمني وآراء المختصين والمهتمين حول هذا القرار المصيري، واستجلاء مدى تأثير رفع التعرفة الجمركية على القوة الشرائية للمستهلكين، وتحديد رسائلهم المباشرة والمطالب العاجلة الموجهة إلى مجلس القيادة الرئاسي ومصلحة الجمارك اليمنية.
ففيما يرى الدكتور محمد علي مارم ـ أستاذ العلوم المالية والمصرفية بجامعة عدن في هذا القرار خطوة إيجابية ومهمة نحو مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة واستقامة الشرعية اليمنية، بما يعزز ثقة الداخل والخارج بجدية القيادة السياسية في المضي قدماً نحو ترسيخ أسس الدولة الحديثة، القادرة على إدارة شؤونها وفق القانون والدستور، فإنه يؤكد على أهمية أن يترافق تنفيذ هذا القرار مع استنهاض دور الأجهزة الرقابية الوطنية، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والجهاز المركزي للإحصاء، والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، إلى جانب تفعيل أدوات الدولة الأمنية والقضائية ممثلة بالشرطة والنيابة والقضاء، بما يضمن تطبيق مبدأ سيادة القانون وتعزيز الشفافية والمساءلة.

وفي حديثه لليمن اليوم قال الدكتور مارم "نرى أن نجاح المرحلة القادمة يتطلب من الحكومة ووزاراتها المختلفة ممارسة مهامها ومسؤولياتها المباشرة، وعدم إحالة صلاحياتها أو مهامها التنفيذية إلى اللجان المؤقتة أو الفرعية، بل تفعيل الهياكل المؤسسية القائمة بما نص عليه الدستور والأنظمة النافذة".
نجاح مرهون بالإرادة السياسية
الدكتور علي ناصر سليمان الزامكي أستاذ الإدارة المالية المشارك بجامعة عدن اعتبر أن هذا القرار يأتي في سياق مساعي الدولة لإعادة ضبط المنظومة المالية والنقدية بعد سنوات من الانقسام المؤسسي وتراجع الإيرادات وتفاقم الهدر المالي، بما يمثل بداية مرحلة جديدة من الحوكمة والانضباط المالي تهدف إلى استعادة فاعلية الدولة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
وقال في تصريح لليمن اليوم "إن نجاح القرار سيظل مرهونًا بتوافر الإرادة السياسية والقدرات المؤسسية، إلى جانب تكامل الأدوار بين الحكومة والبنك المركزي والمحافظات، ضمن رؤية إصلاحية متسقة ومترابطة توازن بين متطلبات المركزية والانضباط المالي واحتياجات التنمية المحلية".

وعلى المستوى المؤسسي فإن القرار بحسب الدكتور الزامكي يفتح الباب أمام تحول هيكلي شامل في بنية المالية العامة، من خلال دمج الصناديق المتعددة ضمن إطار موازنة موحد، وتوحيد قنوات التحصيل والإنفاق عبر البنك المركزي، وتفعيل الرقابة المسبقة واللاحقة على العمليات المالية، بما يعزز كفاءة الإنفاق العام ويحد من الهدر والفساد، كما يتيح المجال أمام إعادة بناء القدرات الإدارية والمالية للمؤسسات الحكومية على أسس مهنية، ويعزز مبدأ المساءلة والمحاسبة في إدارة المال العام.
مشكلتنا ليست في قلة الموارد
فيما يقول الصحفي فتحي بن لزرق رئيس تحرير صحيفة ومؤسسة عدن الغد إن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق رئيس الوزراء ووجه له رسالة بأنه المسؤول أمام الشعب عن أي ضرر سيتسبب به قرار رفع الدولار الجمركي.
وقال مشكلتنا ليست في قلة الموارد وأنت أول من يعلم بذلك، بل في تسربها خارج خزينة الدولة، فـ80٪ من الإيرادات لا تصل إلى البنك المركزي، ولو وُجّهت كما يجب لما احتجنا إلى قرارات تُرهق الناس وتزيد الأسعار اشتعالًا.
وأضاف "كلنا نعلم أن بنود قرار مجلس القيادة الأخير لن يُنفذ منها شيء سوى رفع قيمة الدولار الجمركي، لأنه البند الوحيد الذي سيدفع المواطن ثمنه مباشرة، بينما التجار سيعكسون التكلفة على السلع، فيتحملها الفقير وحده".
وتابع "إذا كانت الحكومة جادة فعلًا، فلتبدأ أولًا بتحويل الإيرادات إلى البنك المركزي وضبط المنافذ والضرائب والجبايات، وبعدها يمكن الحديث عن رفع الدولار الجمركي".
خفض أسعار الصرف بدلا من رفع الدولار
فيما طالب الدكتور علي المسبحي الحكومة بخفض أسعار الصرف بدلآ من رفع السعر الجمركي، مؤكدا أن انخفاض إيرادات الدولة وتوقف تصدير النفط وخفض أسعار الصرف قد أربك حسابات الحكومة، مما جعلها تبحث عن حلول سريعة وآنية في البحث عن إيرادات وسيولة نقدية تغطي فيها نفقاتها.
وقال الدكتور علي المسبحي في تصريح لليمن اليوم "لم تجد الحكومة في مخيلتها سوى مضاعفة الرسوم الجمركية والضريبية كونها سريعة وسهلة التحصيل غير عابئة بما قد يترتب عليه من أضرار اقتصادية واجتماعية ومعيشية تمس حياة المواطن وتزيد من معاناته من خلال ارتفاع أسعار كافة أنواع السلع المستوردة".
وأشار إلى أن قرار تحرير السعر الجمركي ورفعه بما يتساوى مع سعر السوق أي رفعه من 750 ريال إلى 1618 ريال للدولار الواحد سوف يتسبب في رفع أسعار كافة السلع المستوردة الخاضعة لقرار الزيادة بنسبة 20 % كون الارتفاع سيكون مزدوج ارتفاع في الرسوم وارتفاع في أجور النقل، حيث أن المشتقات النفطية المستوردة خاضعة أيضا لقرار الرفع، أما السلع الأساسية المعفاة من الرفع سوف ترتفع بنسبة 5% نتيجة ارتفاع أجور النقل.
وتوقع المسبحي أن ترتفع الرسوم الجمركية والضريبية بنسبة 100% والتي تتكون من رسوم جمركية بنسبة 10% وضريبة مبيعات بنسبة 5 % وصندوق الطرق والجسور بنسبة 5% وتهدف الحكومة من هذا الإجراء إلى رفع الرسوم الجمركية والضريبية السنوية من 700 مليار ريال إلى حوالي 1200 مليار ريال لتغطية عجز الموازنة العامة وسداد رواتب موظفي الدولة واستحقاقات تشغيلية أخرى.

ويؤكد المسبحي أن اتخاذ قرار تحرير السعر الجمركي يعكس عدم رغبة الحكومة في إجراء أي تخفيض جديد في أسعار الصرف وإبقاء أسعار الصرف الحالية ثابتة لفترة القادمة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى عرقلة سياسة توحيد العملة، وربما أدركت الحكومة أيضا أن خفض أسعار الصرف ليس في مصلحتها كونه سيؤدي إلى انخفاض في إيرادات الدولة وضعف السيولة وزيادة النفقات وبالتالي عدم قدرتها على دفع الرواتب، لذلك تفضل الحكومة عدم خفض أسعار الصرف على الرغم انه في صالح المواطن كونه سيؤدي إلى انخفاض أسعار كافة السلع وتحسين القدرة الشرائية في ظل انخفاض قيمة الراتب، وهنا يظهر التناقض فيما بين مصلحة الحكومة ومصلحة المواطن.
وأكد إن أفضل طريقة لتصحيح الوضع الاقتصادي وتضييق الفجوة بين السعر الجمركي وسعر السوق هو إتباع سياسة استمرار خفض أسعار الصرف ليتساوى تدريجيا مع السعر الجمركي الحالي كونه في مصلحة المواطن وسيؤدي ألى خفض كافة أسعار السلع والخدمات وزيادة القدرة الشرائية لموظفي الدولة وزيادة قيمة رواتبهم، فالحكومات السابقة كانت مستفيدة من خفض القيمة الحقيقية لرواتب موظفي الدولة وبالتالي فضلت عدم خفض أسعار الصرف.
وطالب الحكومة بتحمل مسئوليتها في رفع الضرر عن المواطن كون تحرير السعر الجمركي سيؤدي إلى رفع كافة أسعار السلع وبالتالي يثقل كاهل المواطن وعليها البحث عن حلول وإصلاحات اقتصادية أكثر جدوى واستدامة في توفير موارد وإيرادات الدولة وتنمية وتشجيع الاستثمارات الحقيقية وتشغيل مصافي عدن وزيادة إنتاج النفط.
رفع الدولار الجمركي إثراء للفاسدين
المحلل الاقتصادي علي التويتي يؤكد أن رفع الدولار الجمركي في ظل وجود فساد وتهرب جمركي يصل إلى 80% يعتبر إثراءً للفاسدين وإثقالًا لكاهل المواطن.
وأضاف "لذلك، الأولى بهم أولًا إصلاح الأوعية الإيرادية للدولة وضبط التهرب الجمركي وأتمتة الإيرادات لتكون مركزية ومباشرة من حساب التاجر إلى حساب الحكومة".

وتابع "إذا تم فعل ذلك، فبدون شك سترتفع الإيرادات 300% وقد لا نحتاج لرفع الدولار الجمركي، ولكن في حال ما زال هناك عجز حكومي بعد ضبط التهرب الجمركي والضريبي وبقية الموارد، فلا مانع من تحرير الدولار الجمركي وليس مجرد رفعه؛ لأنه يصب في مصلحة الدولة والمواطن".
أما في ظل الانقسامات و الولاءات المتعددة والتهرب الجمركي والضريبي، فإن رفعه بحسب ما يقول التويتي سيثقل كاهل المواطن دون إصلاح الخلل الحاصل، بل يزيد إثراء الفاسدين ولن يصلح حال الحكومة.
كذلك يؤكد الصحفي سامح عقلان أن قرار رفع التعرفة الجمركية سيزيد من الأعباء على الناس بشكل مباشر، خاصة على السلع الأساسية التي يعتمد عليها الجميع، فالمواطن اليوم يواجه ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار وقلة الدخل، وأي زيادة إضافية ستنعكس مباشرة على القدرة الشرائية وعلى مستوى المعيشة.
وقال "رفع التعرفة الجمركية يعني ارتفاع تكلفة السلع عند دخولها السوق، وهذا سيؤدي إلى زيادة أسعار الغذاء، الأدوية، الأدوات المنزلية، وكل الاحتياجات اليومية. المواطن البسيط هو أول المتأثرين، وليس التجار أو الموردين.
وعبر عن أمله في إعادة النظر في هذا القرار، أو على الأقل استثناء السلع الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية.
وقال "الإصلاح الاقتصادي لا يعني إثقال كاهل الشعب، بل البحث عن حلول عادلة ومتوازنة تراعي الواقع المعيشي للناس، نحتاج لخطط واضحة لتحسين الاقتصاد وزيادة فرص العمل، وليس خطوات تجعل الحياة أصعب على المواطن الذي يتحمل الكثير منذ سنوات".
في ميزان القرار والمسؤولية!
لقد تناول هذا الاستطلاع آراء أكاديمية وصحفية لقرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 11 وخص جزء هام يهتم به المواطنيين "قرار رفع التعرفة الجمركية" على طاولة النقاش، جامعًا بين الرؤى الأكاديمية المتفائلة بأهمية الإصلاح المؤسسي والانضباط المالي، والمخاوف الشعبية والتحذيرات الاقتصادية التي ترى في القرار عبئًا إضافيًا يهدد بقاء المواطن اليمني.
لقد أوضحت الآراء المستطلعة بجلاء وجود فجوة واضحة بين الأهداف المعلنة للإصلاح (توحيد الإيرادات وتغطية عجز الموازنة وصرف المرتبات) وبين الأثر المتوقع والمباشر على حياة المواطن (ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية).
فبينما يرى البعض أن القرار يمثل "منعطفًا حاسمًا" نحو استعادة الدولة، يؤكد مختصون أن أي إصلاح لا يراعي قدرة المواطن على التحمل هو إصلاح منقوص أو كارثي.
وأكد المختصون أن نجاح هذا القرار مرهون بتكامل محاور الإصلاح الأخرى، بحيث لا يمكن فصل زيادة الإيرادات الجمركية عن ضرورة ضبط النفقات ومكافحة الفساد، وتفعيل الأجهزة الرقابية، وتحويل كافة الموارد الحكومية إلى البنك المركزي، وهي النقاط التي اتفق عليها الجميع تقريبًا.