تعاني منظومة الانقلاب الحوثي في صنعاء ومناطق نفوذها المختطفة، من فساد بشع جشع، وكفيل بإسقاط الانقلاب، دون حاجة لطرف آخر يستعيد زمام الأمور بقوته وسلاحه وموقفه الداخلي والخارجي.. ذلك لو أن هناك قوة سياسية ليس بالضرورة أن تمثل سلطة الشرعية، تتصدى للأمر بعمل منظم وقنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة، مع فئات الشعب بمناطق الانقلاب، مثلما هو بالمناطق الأخرى خارج مساحة الانقلاب، لأنجزت ما لم تنجزه العشر السنوات وأكثر.. علماً أن هذه القوة أو الطرف، الذي كان يفترض وجوده قبل الآن بكثير، ما إذا أكد سلامة مشروعه الوطني من مساس طرفي الانقلاب والمسماة شرعية، فإنه قادر على اكتساب الشارع اليمني بأسرع ما يتخيله عقل، وتغيير كامل المعادلة السياسية القائمة.. خصوصا مع المآسي التي عاشها الشعب تحت ضجيج هذا الصراع غير المنتهي..!!
ومن معايشة الواقع اليمني وأوضاع وأحوال طرفي الأزمة منذ نشوئها، يلاحظ أن الفساد الكريه، الذي يعايشه اليمنيون تحت سلطة الانقلاب وفي مناطق نفوذه، يواجه بفساد يكاد يكون أسوأ منه في منظومة ومكونات ما يسمى بالشرعية، خصوصاً وأن هذه المكونات لم تستطع، طوال عشر سنوات، أن توحد مشروعها الوطني، ذلك إن كان هنالك مشروع وطني حقاً، فهذه المكونات ذاتها وفيما بينها تشهد فساداً منقطع النظير، بل إن كل طرف منها يعيش الفساد بداخله وكأنه قدر طبيعي أو واقع مفترض..!! وأصبحت، بدلا من أن توحد مشروعها ضد الانقلاب وتوجه الأنظار نحو فساده، تتنازع على الفساد ولا تكتفي بذلك بل تزيد على ذلك بالانشغال بتبادل لاتهامات به بعيداً عن مشروع مواجهة الانقلاب..!!
وبالنظر في حال الطرفين القائمين باعتبارهما الخيارين المتوفرين، يجد اليمنيون أنفسهم في معادلة أو معضلة (إما الفساد أو الفساد)، بغض النظر عن كون أحد الخيارين انقلابا والآخر شرعية.. فقد أصبح الفساد هو سيد الموقف، ولم يعد الناس ينظرون إلى الخيارين بكونهما سلطة شرعية وسلطة مختطفة، ذلك أن هاجس الفساد تجاوز مداه ليغدو طابعاً أو سلوكاً اعتيادياً طاغياً على سواه، ولم يعد أمام أبناء الشعب هنا وهناك سوى وضع مقارنة لفساد هذه الفئة وفساد تلك.. وفي حين كان يفترض بالشرعية أن تستفيد من فساد الانقلاب وتجعله أحد أسلحتها لاجتثاثه واستعادة السلطة، ذهبت بعيداً عن مجرى هدفها ودخلت سباقاً لاهثا مع المليشيا المنقلبة في ماراثون الفساد، وأصبح وكأن كل من الطرفين يحاول الإثبات أنه الأجدر فساداً..!!