في كلمة ألقاها في منتدى اليمن الدولي الذي احتضنته العاصمة الأردنية عمان، وجه المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن هانس غروندبرغ رسالة مفادها أن السلام ممكن، حتى في أصعب الأوقات، لكنه....، يتطلب جهداً مستمرا وإرادة موحدة وتصميما لا يتزعزع.. وشدد على أهمية إشراك أطياف يمنية مختلفة إلى جانب الشركاء الدوليين والإقليميين لدعم الجهود في تحقيق السلام والاستقرار والتعافي الاقتصادي..!! وفي تصريحات ورسائل كهذه مغالطات ماكرة وتهرب من مواجهة حقيقة ما يحدث صراحة في اليمن، واستخدام ذكي لمصطلحات وعبارات (غبية تحديداً في الحالة اليمنية)، ومقر الذكاء فيها يتلخص في معانيها العامة خارج الإطار اليمني، مثل: السلام ممكن، إرادة موحدة، تصميم لا يتزعزع، إشراك أطياف مختلفة، شركاء دوليين وإقليميين، دعم جهود الشركاء، استقرار، تعافي اقتصادي..!!
وحين تكون مواطناً أو حتى سياسياً من أقصى الغرب أو أدني الشرق وتسمع أو تقرأ هذه المسميات في عموميتها المحلقة عالياً، لا تجد إلا أن تعبر عن إعجابك الكبير بما تقدمه وتقوم به المنظمة الدولية الكبرى (الأمم المتحدة) ومن يقف وراءها ومن أسماهم بالشركاء الإقليميين والدوليين..!! لأنك بطبيعة الحال ترى الأمور من غلافها الجوي كسديم نجوم وكواكب لامع ولافت للانتباه.. وهذا هو المشهد الفني الذي تحرص هذه المنظمة ومن يقف وراءها على تشكيل خطوطه وألوانه للعالم في مختلف مؤتمراتها وفعالياتها الدولية، أو مشاركاتها في مؤتمرات وفعاليات من ذات النوع.. بينما في غالب الأحوال إن لم نقل في كل الأحوال، ما يجري على أرض الواقع مختلف وبعيد جداً جداً عن التعايش مع تلك المعاني والمصطلحات الفضفاضة..!!
وأن هذه المنظمة الأممية ومن يقف وراءها ومن أسماهم المبعوث بالشركاء الإقليميين والدوليين، والذين يضعون أنفسهم في مرتبة المصلح والمراعي لمصالح الشعوب، هم في الأساس من يقفون وراء عدم إمكانية بل واستحالة ترترع وانسجام تلك المعاني مع الواقع القطري أو المحلي للحالات المعنية، وأنهم وراء استفحال الشر والفوضى في معظم البلدان التي أصابتها وتصيبها الفوضى في مقتل..!! وأنهم يدركون جيدا أن السلام والشراكة والاستقرار الأمني والاقتصادي وغيرها من المصطلحات الفضفاضة المخادعة التي عادة ما يستخدمها المجتمع الدولي، أبعد وأصعب منالاً فيما وصلت إليه أحوال البلدان المعنية باهتمام أولئك الرعاة الأشرار، وهو اهتمام لا أسباب له تخرج من إطار المصالح الخاصة بهذه المنظمة الدولية ومن يديرها ويدير أنشطتها على مستوى العالم..!!
وإذا تراجعنا قليلاً عن العمومية وخصصنا بالحديث الحالة اليمنية على سبيل المثال، فإن ما استخدمه المبعوث الأممي من مصطلحات ومسميات ومعانٍ، كان بالإمكان الإيمان به والركون إليه، في بداية الأزمة اليمنية، وكان من الممكن اتخاذها طرقات سالكة لانتزاع فتيل الأزمة والاحتراب، ولكن لأن ذلك لن يسير في صالح وخدمة المعنيين بإثارة الأزمات المرجوة، فقد استطاعت هذه المنظمة أن تجعل البون شاسعا بين الواقع واحتمالات تحقق تلك الأفكار، واستطاعت خلال عشر سنوات أن تجعل من السلام والشراكة والاستقرار الأمني والاقتصادي، من الأمور التي يستحيل تطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع، وجعلتها في كل وقت حلماً أو مراداً تظل تلعب على آمال تحقيقه المتفائلة أو الباعثة على التفاؤل في ظاهر الأمر، وتستخدمه كطعم أو كمادة تخدير مفتوحة على الزمان والمكان..!!