آراء

الإبادة تقضي على كلّ وهم

ياسمين ضاهر

|
قبل 21 ساعة و 12 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عندما بدأت الإبادة الجماعية في غزة، انتابني شعور لا يُشبه أي شعور سابق لي كفلسطينية، نشأ بداخلي شعور عميق بالاغتراب عن العالم: شعور بأنني إنسان يمكن الاستغناء عنه، وأن العالم على استعداد للتضحية بي، وإعطائي ظهره بلا مبالاة.

لا يسعى الفلسطينيون إلى التنافس على وضع الضحية. فمقاومتهم التي دامت قرناً من الزمان قائمة على وجه التحديد لأنهم يسعون إلى العيش بحرية، وليس البقاء محاصرين في دور الضحايا الدائمين .

رفض الشعب الفلسطيني منذ فترة طويلة السردية المفروضة بشأن الضحية، ورأى فيها إهانة وإذلالاً عميقين. فبالنسبة إليه، لا تنبع سلطته الأخلاقية من دور ميتافيزيقي أو متأصل كضحية، بل من عدالة نضاله التي لا يمكن إنكارها.

في الأسبوعين الماضيين، واصلت إسرائيل قصف غزة، ووسعت هجماتها إلى لبنان والعراق واليمن وسوريا . ويُهدي الجنود الإسرائيليين قنابلهم – التي تدمر مجمعات سكنية بأكملها – إلى أطفالهم، في حين ترقص الجماهير الإسرائيلية على الأغاني التي تحتفل بموت العرب.

بالنسبة إلى الفلسطينيين، العالم ليس مفهوماً مجرداً يتكوَّن من قوى عالمية؛ بل هو شعوب هذا العالم. وقد انفتح صدع ثان في العام الماضي – إلى جانب الانقسام بين «الشمال العالمي» و«الجنوب العالمي» – بين الناس وحكوماتهم. وأصبحت الادعاءات الكاذبة بالديمقراطية، وهشاشة التماسك المجتمعي، وتآكل الأنظمة القانونية في الدول الكبرى، واضحة للغاية.

لم يسبق أن كان الوقوف مع قضية عادلة بهذه التكلفة الباهظة، ومع ذلك لم يسبق أن كان الوقوف مع قضية عادلة عزيزاً وحميماً على الملايين كما هو الحال مع القضية الفلسطينية في هذا القرن. وأولئك الذين يقفون مع فلسطين اليوم يدركون أن ذلك قد يكلفهم – علاقات ووظائف ومناصب عامة وحتى الأذى الجسدي أو العاطفي. ومع ذلك، فإنهم يواصلون، مدركين أن هذه القضية هي المفتاح لكشف الفساد المتجذر بعمق في العالم. وعندما يقول الناس «فلسطين ستحررنا جميعاً»، فهم يعرفون تماماً ما يقولون.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية