في سماء من البؤس اللامتناهي، تلوح أرواح اليمنيين المأسورة كأنها أعلامٌ منسوجة من الصبر ومرصعة بالألم، ترفعُ هاماتها وتصارعُ سجون صنعاء بشجاعةٍ تقطر دماً وحباً للأرض التي تختنق تحت وطأة الحديد والنار.
سحر الخولاني تقف في وسط هذه العتمة، كزهرةٍ وُلدت لتزهر لكنها وجدت نفسها محاصرة بأشواك الطغيان. صرختها الأخيرة كانت صرخة كل حرٍّ في اليمن. صرخةٌ تطالبُ بكل حب وجرأة، بمساحةٍ من الضوء، و حياةٍ تتنفس فيها الحقيقة. خلف جدران سجون صنعاء، تحاكي قضبان الحديد معاناة الإعلاميين والنشطاء، وتغلق الأبواب على عقولٍ حاولت أن تطلق الكلمة لتغدو حرّة، لا تعرف الهوان، تسير في ظلال الحروف، تهدي الأرض أغنياتها وتفضح الظلم.
تحت نفس الظلال القاتمة، يقف محمد المياحي، وقد غاب عن العالم بصرخة صامتة، كأن الحبر الذي كتبه صار جزءا من الليل ذاته.
وفي صدى الصمت هذا، يتسلل إلينا تقرير حقوقي يفضح حملة قمعية، واسعة الأرجاء، لا تستثني أحدًا؛ إذ انطلق الجلادون من أبريل حتى يونيو من هذا العام، في تصعيد مريب لقمع النشطاء والإغاثيين، مبررين تهمهم بتُرّهات التجسس والتخابر، وكأن كل قلبٍ ينبض بالخدمة صار خائنًا. مئات الرجال والنساء، منهم موظفو وكالات الإغاثة، الأمم المتحدة، بل وحتى البعثات الدبلوماسية، جميعهم وقعوا في قبضة لا تعرف الرحمة.
إن الجماعة الحوثية، وقد تفننت في إذلال الأبرياء، لم تكتفِ باعتقالهم، بل عرضت بعضهم أمام شاشاتٍ تشبه محاكم التفتيش المظلمة، ليجبروا على اعترافاتٍ تشبه مراسم إعدام أرواحهم أمام الناس. كل هذا جرى وسط صمتٍ كاد يبتلع الحقائق، بينما تذوي النفوس، وتسقط أعدادٌ متزايدة من المعتقلين كأوراقٍ في خريفٍ لا أمل فيه.
في تقارير دولية أخرى، تتوالى الأرقام: منذ سبتمبر 2014 حتى اليوم، وصل عدد المختطفين المدنيين في سجون الإرهاب الحوثي إلى أكثر من 16,800 مدني، منهم 4201 لا يزالون خلف القضبان، مختطفين بلا وجهة، وأحيانًا بلا قضية سوى أنهم أحلامٌ لا تُطاق للجلادين.
إنّ الصمت على هذا الوضع يماثل موافقةً على الظلم؛ إنه تحريض على الاستمرار في سحق الحق. هذه الأرض التي شربت من دماء أبنائها لن تغفر لمن صمت، ولن تغفر للذين تجاهلوا صرخات المختطفين والمغيبين قسراً.
.. والله المستعان