ربما لم يكن خافياً من قبل، ثم أصبح واضحاً ومدركاً من بعد، أن انقلاب جماعة الحوثي المتمردة، كان أمراً مدبراً بمستوى عال من الدقة في التخطيط والتكتيك والتحركات الميدانية، ومن اللعب السياسي والاستراتيجي على طاولة الواقع الافتراضي.
وكل ذلك كان ولا يزال يحدث سراً حيناً وعلانية أحياناً، وبتصرف مطلق، من قبل قوى غامضة وأيادٍ خفية، كان ولا يزال يعنيها أن يحدث ما يحدث، ويهمها إدارة استمراره، من قريب ومن بعيد، وبما يقتضي افتعال أزمة لازمة في هذا البلد، أزمة لا بد من إدارتها والتحكم في أدواتها وأسبابها وصيروراتها، دون وضع اعتبار للانعكاس السلبي المدمر على أهل هذا البلد، وأشد ما يحزن ويبعث القهر هو التعامل مع خسائر الوطن والشعب في هذه الأزمة وكأنها خسائر جانبية..!!
حسناً.. تلك الخسائر التي ينظر إليها على أنها جانبية أو هامشية، هي بالنسبة لنا كيمنيين ومعنيين بشكل مباشر بالأمر، مصيرية وكارثية.. فقد سلب منا نحن الثلاثين مليونا أو نزيد، وطننا واستقرارنا وأمننا وأرواحنا أيضاً، لتتحقق غايات شريرة لأطراف شريرة تقبع خلف شاشة الواقع، وتدير تفاصيله العدوانية والاستئثارية، بوقاحة لا حدود لها، ضاربة عرض الجدار بكل الاعتبارات والحسابات والقوانين، التي تتعارض مع مصالحها واستراتيجيات تواجدها في قلب هذه الفوضى المثارة، والمدارة في معظم بلدان المنطقة العربية، وليس في اليمن وحسب.. ومن هنا يتضح لنا كيف أن هذه المنطقة عموماً تعيش خلال ثلاثة عقود من الزمن وأكثر على صفيح ساخن، منذ غزو الكويت وحرب الخليج وحرب الانفصال في اليمن، ثم فوضى الربيع العربي، وهلم جرا....
إن من يضع كل هذه التفاصيل في باله، ويدرس البوادر الأولى لظهور الأزمات، والتي تبدو للوهلة الأولى مفتعلة في غالب الأمر، ويطابق الأحداث أو يسقطها على العامل الجغرافي والسياسي والاسترتيجي في المنطقة، سيعرف بوضوح ما يجري هنا وهناك، ويدرك جيداً أن ما يعيشه اليمن هو جزء لا يتجزأ من واقع مرير تعيشه معظم البلدان والشعوب العربية، وأن الأيادي والقوى الخفية أو بالأصح التي كانت خفية، والتي تديره، إنما تديره لصالح مشروع أجنبي مشترك أو مزدوج المصالح، يحقق الفائدة لطرفين بالدرجة الأولى، هما المشروع الاستعماري الغربي الطامع والمستغل من جهة، والاحتلال الصهيوني الباغي من جهة أخرى..
مشروع تدميري شرير وحاقد يديره الغرب المتغول والمتوحش في بلداننا، وينفذه بأياديه حيناً وبأيادي أبناء جلدتنا أحياناً أكثر وأكثر، ولا يقف نصب عينيه حد معين أو جهة قصوى..!! مشروع فوضوي عاصف، لا يتباين في شيء مع فكرة أو مشروع (الفوضى الخلاقة) التي أعلن عنها ذلك الغرب المتوحش أو ألمح إليها قبلاً، والذي تجري وراءه مداولات ومناوشات خفية، لا بد أنها حول إعادة اقتسام الكعكة بين قوى الاستعمار القديم/ الجديد، وبالتالي فلا بد من بعثرة الأوراق والملفات وإعادة ترتيبها، بما يتوازى مع مصالح كل طرف.. وبناء على ذلك والتأسيس له فيجب أن تكون أهم أهداف هذا المشروع هلهلة وإضعاف بلدان المنطقة وتقويض ما أمكن من أنظمتها، وهو ما عشناه ونعيشه اليوم..
لقد استخدم الغرب أسوأ طرق التوحش ضد الإنسانية، التي كثيراً ما يزايد بها، وساوم بقضايا وحاجات غاية في الدناءة، ليس أولها مساومة الغذاء والدواء بالنفط والسلاح، ولا آخرها دعم المليشيات والعصابات المتمردة، وتقوية حضورها في المنطقة، على حساب الأنظمة والدول، سواء هذه القائمة، أو تلك التي كانت قائمة فتداعت.. وما عصابة الحوثي الإرهابية إلا واحدة من تلك الأدوات والوسائل التخريبية، التي يعتمد عليها الغرب في إثارة واستمرار أزمات المنطقة وتواليها بنظام متبع دقيق، وحريص على أن تظل هذه البلدان متقدة بالفوضى واللا استقرار، وبما يندمج مع مصالح الغرب ومشروعه التفكيكي التدميري المشترك مع كيان الاحتلال الصهيوني، الذي يقف اليوم في أقوى حالاته وأكثر فتراته إنجازاً وانتصاراً، منذ أكثر من ستين عاماً مضت.