لا غرو اذا ما وصفنا ثورة سبتمبر الخالدة بانها اهم حدث في التاريخ اليمني المعاصر ليس لانها غيرت شكل النظام السياسي الكهنوتي الشمولي إلى نظام جمهوري فحسب، بل لأنها لامست وجدان الشعب اليمني وصنعت هويته الوطنية بعد عقود من التغييب والاحتقار والاستعلاء على هذا الشعب المقهور بظلم الإمامة، وقضت على العزلة والفقر والجهل، والخرافة، وقرون من التخلف عن ركب الحضارة ومسيرة الحياة الانسانية.
إنها ثورة الكرامة والمساواة والمواطنة. لذا يتمسك الشعب باهداف الثورة خصوصا وهو يعيش الكارثة التي حلت باليمن ومكتسباته.
لذا فإن الشعب اليمني، بكل قواه، باعتباره صاحب المصلحة العليا من هذه الثورة الإنسانية، لا بد أن يتحمل المسؤولية التاريخية أمام الحاضر والأجيال القادمة شرف حماية هذه الثورة والدفاع عنها بكل السبل وفي مقدمتها الدعوة الصادقة إلى حوار وطني شامل تتبلور فيه رؤية وطنية جامعة لإنقاذ الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 و 14 أكتوبر 1963، وإحياء قيمها والحفاظ على مكتسباتها واستعادة الدولة الجامعة لكل اليمنيين دون استثناء.
إن الشعب يراهن اليوم على القوى الفاعلة والزعامات التي لم تتلوث اياديها بدماء اليمنيين ولم تتاجر بقضيته على موائد التكسب والربح، وينتظر منها دورا رياديا وفاعلا، بعد فشل القوى المتصارعة، وذلك من اجل قيادة هذه المرحلة شديدة الوطأة والحساسية بعيدا عن زيف الشعارات والبيانات، لأن الوطن اكبر من الجميع والمصلحة الوطنية فوق المصالح الفردية والفئوية والمذهبية والحزبية والمناطقية، لأن المشاريع الصغيرة إلى زوال والاوطان هي الباقية.
وعلى الشعب اليمني في هذه المرحلة الصعبة ـ التي تتعرض فيها الجمهورية للإرتدادات والنكوص من عدة قوى وأطراف ـ أن يدعم ويساند جهود الشرفاء المخلصين من اجل بلورة مشروع وطني شامل، تسهم فيه كل القوى والاحزاب والفعاليات والشخصيات الوطنية في بلادنا من دون اقصاء او تهميش فالوطن هو ملك الشعب بكل فئاته والوانه.
وهنا لا بد من وضع مرتكزات لهذا لمشروع استعادة الوطن، اعتمادا على القدرات الوطنية الخالصة والإيمان بقدرات ومواهب وحكمة الشعب اليمني ذي التاريخ والحضارة، واستعادة ثقته وقدراته على على النهوض من كبوته، وممارسة دوره التاريخي والحضاري، ذلك أن الشعوب الحضارية دائما قادرة على النهوض من كبواتها مهما يعترضها من انتكاسات أو مؤامرات أو مشاريع استعمارية، أو تدخلات خارجية.
ان قيم سبتمبر تفرض علينا التشاور والمراجعة الشاملة لما حدث خلال أكثر من 13 عاما من الصراع، يعود فيها الجميع إلى المرجعيات الوطنية ومرتكزات المصلحة الوطنية العليا، والإعلاء من أولويات الشعب اليمني ومصالحه، وتطلعاته.
والاستفادة والمراجعة لما حدث من صراع وتمزق وتبديد للطاقات الوطنية، ومعاناة شعبية على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك تحت أولوية إنقاذ الشعب والوطن.