تتبادل السلطات النقدية لكل من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والميليشيا الحوثية الموالية لإيران إجراءات وصفتها تقارير دولية بأنها "انتقامية" من شأنها أن تؤدّي إلى تعطيل التحويلات المالية بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما سيفاقم من الأوضاع المعيشية لملايين اليمنيين.
وأصدر البنك المركزي بصنعاء الذي يديره الحوثيون في 31 مايو قراراً يحظر على المؤسّسات المالية وغير المالية المحلية والخارجية والأفراد التعامل مع 13 بنكاً، مهدّداً المخالفين بـ "المساءلة والعقوبات القانونية".
وجاء القرار بعد إصدار البنك المركزي بعدن قراراً بوقف التعامل مع 6 بنوك لفشلها في الالتزام بالقانون وتعليمات البنك المركزي، وعدم الامتثال لمتطلّبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعامل مع جماعة مصنّفة إرهابية وتنفيذ تعليماتها، والإخلال بقواعد العمل المصرفي.
كما أصدر بنك عدن قراراً يدعو فيه جميع الأفراد والمؤسّسات إلى استبدال العملات الورقية من الطبعة القديمة ما قبل العام 2016 خلال مدة أقصاها 60 يوماً، وهو ما يعني إلغاء جميع العملات التي يتم التعامل بها في مناطق سيطرة الحوثيين الذين منعوا خلال السنوات الماضية تداول العملات الورقية الجديدة التي تمّت طباعتها لدى شركة "جوزناك" الروسية.
ويتوقّع خبراء اقتصاديون أن السوق المصرفي سيشهد مزيداً من التعقيدات المالية لاسيّما في موضوع التحويلات المالية، كما سترتفع أكثر عمولات التحويل جرّاء المزيد من الفوارق في قيمة العملات المستخدمة في مناطق الحكومة ومناطق الحوثيين.
وفي نهاية مارس الماضي بدأت الميليشيا الحوثية تداول العملة المعدنية الجديدة من فئة 100 ريال، وحثّت اليمنيين في مناطق سيطرتها على استبدالها بجميع فئات العملة اليمنية التالفة وليس فقط فئة الـ 100 ريال الورقية، بما يشكّله ذلك من مخاطر اقتصادية كبيرة وتأثيرات هائلة على قيمة العملة وأسعار السلع والخدمات ومعدّلات التضخّم. ويتكتّم الحوثيون على المكان الذي تم فيه سك العملة الجديدة أو الطريقة التي وصلت بها إلى اليمن أو حجم المبلغ الذي سيتم تداوله في السوق منها.
وتؤكد "شبكة نظام الإنذار المبكّر بالمجاعة" أن تنفيذ قرار البنك المركزي بنقل جميع البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر مقرّاتها إلى عدن في غضون 60 يوماً "سيكون صعباً وسيخاطر باتخاذ إجراءات انتقامية من قبل الحوثيين".
وتوضّح في تقرير لها أنه "إذا انتقلت هذه البنوك، فمن المتوقّع أن تشهد مناطق الحكومة زيادة في السيولة بينما من المحتمل أن تواجه مناطق الحوثيين بدورها نقصاً متزايداً في السيولة، مع آثار سلبية على الشركات الصغيرة".
ويؤكد البنك الدولي في تقرير حديث له بعنوان "ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم" أن الانقسام في السياسة النقدية وتدفّقات النقد الأجنبي إلى جانب تمويل عجز المالية العامة بزيادة عرض النقود، أدّى إلى الانخفاض الحاد في قيمة الريال اليمني منذ بداية الصراع، كما ساهم الارتفاع في تكاليف المعيشة الحقيقية بشكل رئيسي في دفع سكّان البلاد نحو أزمة إنسانية.
ويوّضح التقرير الدولي أن البنك المركزي اليمني ينقسم إلى سلطتين مركزيتين متنافستين، وهو ما يفرض قيوداً كبيرة على عمل القطاع الخاص ونموّه.
وتسبّبت السياسة النقدية التوسّعية للبنك المركزي اليمني، لا سيّما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، في تضخّم كبير وتفاقم لأوضاع أنشطة الأعمال والاقتصاد، بحسب التقرير.
ويلفت البنك الدولي إلى أن "سياسات الإقراض غير المتكافئة للبنك المركزي اليمني أدّت إلى الحد من قدرة القطاع المصرفي على توفير التمويل ومنافسة شبكات الصرافة. وبالتالي فإن البنك المركزي اليمني غير قادر على أداء واجباته النقدية والرقابية لضبط النظام المالي اليمني والبنوك اليمنية (التي تكون في العادة مملوكة لعائلات) ولا تقدّم قيمة كبيرة لمعظم منشآت الأعمال اليمنية".