درجت جماعة الحوثي منذ ظهورها وصعودها المتدرج خلال العقدين الماضيين على استخدام "التقية" و"الشعاراتية" و"الذرائعية" و"صناعة العدو" " و"التضحية بالمغرر بهم لادعاء المظلومية"، وكل ذلك لتبرير جرائمها وتسويق مشروعها وتمرير هدفها الرئيس المتمثل في الوصول لحكم قائم على مبدأ "الولاية والاختصاص" عبر العنف المسلح، وهي عقدة عصبوية استبدادية نازية تدعي أحقية الحوثيين واصطفاءهم الحصري والإلهي كسلالة واحدة للحكم، باعتبارهم من عرق أنقى ونطفة أرقى من نسل النبي محمد.
طوال فترة حروبها الممتدة من عام 2004 وحتى 2024، دأبت الجماعة على بث الشعارات الدعائية والذرائغية، فتارة تدعي المظلومية بمنعها عن حريتها الدينية المذهبية وترديد ورفع شعار الصرخة، واخرى بحرمانها من حقها في ممارسة حرية الفكر والمعتقد، وأخرى بالدفاع عن المستضعفين، وما أن وصلت إلى السلطة حتى ألغت وصادرت حقوق وحريات الجميع، وقمعت جميع التيارات، وعطلت الدستور والقانون والخدمات والتنمية، ومارست النهب والفساد، وامتنعت عن صرف الرواتب، وفرضت الجبايات والاتاوات الطائلة التي لم يسبقها إليها أحد، وجوعت الشعب وسطت على موارده وخيراته.
واستمرأت الجماعة صناعة الأعداء: فتارة تحارب التكفيريين والدواعش، وأخرى بالثورة ضد الفساد والجرعة السعرية، ثم بمواجهة المنافقين والمرتزقة والمرجفين والطابور الخامس، ومحاربة العدوان السعودي الأمريكي الصهيوني، وأخيرا وليس بآخر بمواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي..!
وبعد هذه السنوات التسع العصيبة من المشقة والصراع الصفري الأخير منذ 2014، وقبلها ما قبلها من تدهور، استبشر اليمنيون خيرا بالهدنة وبجهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة لبحث وقف دائم لإطلاق النار، غير أن الحوثيين صعدوا في تسعير الحرب وفتح جبهة جديدة في البحر الأحمر.
لقد ابتلي اليمنيون بجماعة نزقة للباروت والدم ادمنت إشعال الحروب واستنقعت بالدم كوقود لتوسعها، حيث تتعامل مع البشر ككتل لحم تضحي بهم في معاركها الخاسرة قرابين لما تدعيه من مظلومية شعاراتية مخادعة ودعائية.
وكرسل الشعاراتيين على مر التاريخ، تقدس الجماعة الرموز والشعارات والبراويز والخرافات وعملات النقد وتمجد الحروب وتستعذب القتل وتتغنى بالموت والشهادة فداء ل "لدين" و"القائد"، ماعدا الإنسان والوطن!
أطلق الجماعة الدينية ألقاب وصفات التعظيم والتمجيد والتنزيه الموغلة في القدم من قبيل: "مصباح الدجى" و"السراج المنير" و"علم الهدى" و "ولي الله" و "ابن طه" الذي يزعمون أنه يتلقى ويتحرك وفق أمر الله، ومن قبله أخيه الصريع حسين الحوثي "قرين القرآن" و"القرآن الناطق"، وهلم جرا من هرطقات وجهالات لا تمت بصلة للقرن الواحد والعشرين ولا للسوية الإنسانية، لتكريس ظروب الاستبداد والاستعباد والشمولية والكهانية والخرافة. كما رددوا زوامل شعرية حربية لمقامات قديمة مثل الفخر والرثاء والمدح في محاكاة للعصور الجاهلية.
فالشعاراتيون بطبيعتهم غوغائيون ودعائيون ودوغماتيون ينظرون إلى البعيد لكنهم لا ينظرون إلى ما تحت أقدامهم! فقد أوجدت الحرب الأخيرة في غزة موسما دعائيا وسوقا رائجا للجماعة، لتدعي دفاعها عن فلسطين والمواجهة مع اسرائيل وأمريكا، مع أن البديهة البسيطة تقول أن الطرف الواقع تحت الحصار لايمكنه كسر الحصار عن غيره! ومن أحرم شعبه من الوصول للغذاء والدواء مستحيل أن يساعد غيره! حيث يقول المثل اليمني: الذي لم ينفع أمه لن ينفع خالته! و"يا مفرق المرق بيت أهلك أحق"!
إننا أمام صدمة تاريخية مع جماعة رجعية ومتعصبة مضادة للعلم والعقل ومنطق الحاضر والعصر والمستقبل!