من المتعارف عليه أن المعاناة الانسانية هي من أهم نتائج وإفرازات الحروب والصراعات، بل إن المآسي والألام والأحزان بكل أنواعها هي العنوان الأبرز للحرب.
لذلك لن أبالغ إذا قلت بأن الحرب هي الشر المطلق في حياة وتاريخ البشر، فخلالها تسفك الدماء وتتعطل القوانين والشرائع، وتنتهك الحقوق والحريات، وتباح المحرمات، وترمل النساء وييتم الأطفال، وتصبح السلبية والحقد والكراهية والعنف هي السائدة والحاكمة.
وفي ظل هكذا أجواء سوداوية تتبلور المعاناة الإنسانية كواقع مخيف ومرعب، يجتاح حياة الشعوب المنكوبة وخصوصاً البسطاء وعامة الشعب، فهم وقود الحرب وهم من تدور رحاها فوق رؤوسهم، وهم من يدفعون فاتورتها الباهضة من دمائهم ودموعهم وأوجاعهم.
وما يشهده غالبية أبناء الشعب اليمني اليوم من الفقر والجوع والفاقة والمعاناة الإنسانية هو النتيجة الطبيعية لتراكمات ثمان سنوات من الحرب التي عطلت حياتهم وأغلقت أبواب الرزق في وجوههم، وحرمتهم من أبسط مقومات الحياة.
ولن أبالغ إذا قلت بأن أحوالهم لم تعد تسر لاعدوا ولا صديقا، بل لقد أصبح الفقر هو العنوان الأبرز لحياتهم، بعد أن فقدوا مصادر الرزق وبعد أن حرموا من مرتباتهم وحقوقهم، فعلى سبيل المثال، من كان يعتمد على مرتبه الشهري وجد نفسه بين عشية وضحاها فقيراً معدماً لا يجد قوته وقوت أطفاله.
ومع مرور سنين الحرب وتطاولها تعمقت معاناتهم وزادت مآسيهم، لتتآكل الطبقة المتوسطة على حساب توسع الطبقة الفقيرة المسحوقة التي باتت تشكل غالبية سكان اليمن.
كل ذلك يجعل من المعاناة الإنسانية في اليمن كارثة مكتملة الأركان، كارثة بكل ما تعنية الكلمة من معنى، في ظل تهاون وتغاضي وصمت المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، ولا مبالاة الأطراف المتصارعة.
كل ذلك يجعل من وقف الحرب ضرورة إنسانية عاجلة، لإنقاذ شعب من ويلات الفقر والجوع والمعاناة، والعمل على تخفيفها ومعالجتها، فحالات المعاناة والفقر والفاقة قد وصلت لدرجة حرجة جداً لا يمكن السكوت عنها، لأن نتائجها ستكون كارثية ومأساوية على شعب يعاني أصلاً من تدني الدخل القومي، نتيجة شح الموارد الاقتصادية المادية والمائية وزيادة الكثافة السكانية.
كل تلك الأمور مجتمعة بالإضافة إلى ثمان سنوات من الحرب جعلت المعاناة الإنسانية بكل صورها هي الحالة المهيمنة على غالبية أبناء الشعب اليمني، وهكذا وضع مأساوي وكارثي يحتاج لمشروع عربي وإقليمي وأممي للإنقاذ كمشروع مارشال الذي قامت به أمريكا لدعم وإنقاذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، نقطة آخر السطر.