في 26 سبتمبر الحالي تكون قد مرّت ستة عقود كاملة على ثورة 26 سبتمبر 1962م الخالدة في اليمن، التي كانت واحدة من أهم ثورات وأحداث النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.. وعلى أرض اليمن وجبالها جرت واحدة من أشرس وأعنف الحروب بين قوى الثورة المدعومة من مصر وثورة يوليو وزعيمها جمال عبدالناصر، والقوى الملكية مدعومةً من الاستعمار البريطاني الذي كان يحتل عدن وجنوب اليمن حينها، والولايات المتحدة الامريكية، والسعودية من جهة اخرى..
كانت حرباً من أجل تثبيت الجمهورية دارت رحاها على مدى سبع سنوات كاملة، سالت فيها دماء طاهرة وأُزهقت فيها مئات آلاف الارواح الزكية، وصُرفت فيها أموال طائلة، ولم تتوقف إلا باتفاق الرئيس عبدالناصر والملك فيصل في مؤتمر القمة العربية بالخرطوم بعد نكسة يونيو 1967م.
لم يكن تحدي الحرب هو الوحيد الذي واجهته ثورة سبتمبر وواجهه الشعب اليمني، بل تحدي التخلف على كافة المستويات الناجم عن حكم الإمامة الذي عزل اليمن عن روح وتطور العصر وإيقاع الزمن.. وهو واقع ثار عليه الشعب اليمني مرات عدة، وقدم في سبيل التخلص منه الشهداء والضحايا من أبنائه الأبرار، ولم تكن ثورة 26 سبتمبر إلا آخر تلك المحاولات، فقد سبقتها ثورة الأحرار في 1948م، وثورة الثلايا ورفاقه في 1955م وغيرها من محاولات قتل الإمام والتخلص من حكم الأئمة وظلمهم.. ولكن برغم ذلك فإنه يُحسب للأئمة حفاظهم على السيادة الوطنية وعدم تفريطهم بها.
ومثلما واجه الشعب اليمني تحدي الحرب، وهو شعب بطبعه وتكوينه شعب أبي مقاتل، واجه تحدي واقع التخلف الذي ثار عليه وانطلقت عجلة التطور في شتى مجالات الحياة، في التعليم والصحة والطرقات والانشاءات والخدمات والبنية التحتية وبناء الجيش والقوات المسلحة.. الخ، ولم يكن الأمر سهلاً أبداً، فلا يمكن القضاء على تخلف القرون بين ليلة وضحاها، في نفس الوقت الذي تواجه فيه البلد الحروب وتآمرات الأعداء في الداخل والخارج، ولعل أصعب تلك التحديات على الإطلاق تحدي الحكم وتحدي الواقع الاجتماعي الشديد التخلف.
لم تسلم ثورة سبتمبر من آفة الانقلابات والاغتيالات والخلافات بين قوى الثورة نفسها، فكان انقلاب 5 نوفمبر 1967م ضد الزعيم عبدالله السلال، وحركة 13 يونيو 1974م التي قادها ابراهيم الحمدي ضد القاضي الارياني، واغتيال الرئيسين ابراهيم الحمدي واحمد الغشمي، ومحاولة الانقلاب الناصري ضد الرئيس علي عبدالله صالح التي لم يُكتب لها النجاح، ومحاولة اغتياله في حادثة مسجد النهدين المشهورة التي نجا منها بأعجوبة وثورة شباب التغيير في 11 سبتمبر 2011م ومقتله في 4 ديسمبر 2017م.
كما لم تسلم الجمهورية من الحروب الداخلية، فقد خاضت حربين في 1972 و1979م مع اليمن الديمقراطية، وحروب المنطقة الوسطى، وحرب صيف 1994م، وحروب النظام الستة ضد الحوثيين (أنصار الله)، وغيرها من الحروب التي استنزفت إمكانيات البلد البشرية والمادية والعسكرية وقلصت من فرص التطور والاستقرار.. فما أنْ تخرج من حرب حتى تدخل في حرب أقسى وأشد يدفع الشعب اليمني ثمنها، وآخرها الحرب الحالية المستمرة منذ ثمان سنوات والتي طالبنا بوقفها منذ يومها الاول وقدمنا العديد من المبادرات ومشاريع الحلول لإيقافها وإحلال السلام..
وهذا التحدي الذي واجهته اليمن قبل الوحدة وبعدها، لايزال مستمراً عبر التاريخ، فهي تدفع ثمن موقعها الاستراتيجي وثرواتها الهائلة والكثافة البشرية، لكن صنعاء ظلت وتظل عصية على الأعداء عبر التاريخ، فاليمن اليوم بحاجة الى مشروع وطني ينقذ الوطن وينهي الحرب ويرسي أسس السلام الدائم.
ونطالب الأشقاء والأصدقاء بالاستفادة من فرصة الهدنة الحالية، التي تُمدد كل شهرين، لمساعدة اليمن على وقف نهائي للحرب وإرساء السلام، ففي أمن واستقرار اليمن استقرار للمنطقة وأمنها وأمن وسلام العالم في هذه المنطقة الاستراتيجية الحيوية.
المجد والخلود لشهداء ثورة سبتمبر..
وكل عام وأنتم بخير