يؤرخُ البعضُ بحسنِ نيةٍ ، وفي الأغلبِ بسوءِ نيةٍ ، لبداية الحربِ في اليمن بتاريخ 26 مارس 2015 في محاولةٍ لخلطِ الأوراقِ ، وتجنب الاعترافِ بحقيقةِ أنَ الحربَ بدأها الحوثيونَ قبلَ ذلكَ بأعوام ، لتبلغ ذروتها قبلَ ستةِ أشهرِ منْ انطلاقِ العاصفةِ ، معَ أنَ هذهِ الحربِ من بدأتْ بشكلٍ فعليٍ في العامِ 2004 عندما قررَ الحوثي تفجيرَ حربٍ في مواجهةِ الدولةِ منْ منطلقاتٍ عنصريةٍ ، وتمرد أعلنَ أهدافهُ منذُ اللحظةِ الأولى .
هذهِ السرديةُ للحربِ - المتجاوزة لواقع أنَ الحوثي قدمَ نفسهُ منذُ بدايةِ حربهِ ، كتهديدٍ وعدوانٍ داخليٍ ، لمْ يخفِ أهدافهُ الإقليمية - هيَ للأسفِ السردية التي تلعبُ عليها الجماعةُ ، يساندها لوبي دوليٌ ، يدرك أنَ مجردَ الاعترافِ بالوقائعِ سيظهرُ بلا شكٍ أنَ الحربَ لمْ يشعلها اليمنيونَ ابتداءً ، وبالمحصلةِ ليستْ حربا يمنيةً سعوديةً عربيةً ، بلْ نتيجة حتمية لردعِ مشروعٍ محليٍ أدواته ميليشيا ذاتَ بعدٍ سلاليٍ تاريخيٍ ، متحالف معَ مشروعٍ فارسيٍ احتفلَ منذُ اليومِ الأولَ بنصرهِ في إسقاطِ عاصمةٍ عربيةٍ جديدةٍ ، ووصولَ تأثيرهِ العسكريِ إلى سواحلِ البحرِ الأحمرِ .
أما في البعدِ الإقليميِ سارعتْ الجماعةُ إلى إرسالِ مبعوثينَ لها إلى إيران لتسفرَ تلكَ الزيارة عنْ الاتفاقِ على تسييرِ رحلاتٍ أسبوعيةٍ منْ صنعاءَ إلى طهرانَ وبمعدلِ 28 رحلة أسبوعيا ، في خطوةٍ لا مبررَ لها ، معَ عدمِ وجودِ أي حاجةٍ لمثل هذا الإجراءِ ، إلا الإعلان المبكر لولائها لدولة الولي الفقيه ، ووسيلة لوصولِ الدعمِ العسكريِ واللوجستيِ للجماعةِ ، ووصلتْ أولى الرحلاتِ في الأولِ منْ مارسَ 2015 .
ذلكَ المشهد يمكنُ تخيلهُ بوضوحِ بقراءةٍ منصفةٍ لحالِ المناطقِ التي يسيطرُ عليها الحوثي اليومِ ، وما يحدثهُ في تلكَ المناطق منْ أنواع القمعِ والقهرِ ، والسيطرة المطلقة على المناخِ السياسيِ والإعلاميِ ، والتجريف المتعمد للهويةِ اليمنيةِ ، واستحواذ كاملٍ عبرَ قياداتهِ وتابعيهِ على الوظيفةِ العامةِ وإيرادات الدولةِ لصالحِ حربهِ ، وتحويلهُ تلكَ المناطق إلى منصاتٍ للاعتداءِ على الداخل والخارج ، والأخطر رؤيته للشكل السياسي والبنيوي للدولةِ ، التي في تصورهِ ستكونُ مجردَ شكلٍ آخرَ لسيطرةِ المرشدِ وغيابِ المشاركة وإرادة التطييف والحكم الشمولي العنصري .
وأخيرا : قدْ تتفق أوْ تختلف على أداءِ تحالفِ دعمِ الشرعيةِ في مقاربةِ الأزمةِ ، لكنْ لنْ تستطيعَ تجاوزَ السؤالِ الصعبِ ، ماذا لوْ لمْ يتمْ إيقافُ المشروعِ الفارسيِ ممثلاً بالحوثيِ ، أوْ على الأقلِ إبطاؤهُ ، ولنْ تستطيعَ أنْ تتجاوزَ أيضا حقائقَ الواقعِ ، في أنَ تحالفَ دعمِ الشرعيةِ جاءَ نتيجةً لا سبباً ، وفي أنَ هذا التدخل ساهمَ في تماسكِ الدولةِ والشرعيةِ ، وقدمَ في الجوانب الاقتصاديةِ والسياسيةِ دعما أسهمَ في إبقاءِ السردية الحقيقية للصراعِ في اليمن ، في أنهُ ليسَ حرباً أهليةً ، ولا صراعاً سياسيا ، بلْ معركة مشروعة لليمنيينَ ومعهمْ جيرانهمْ ، ضدَ خطرٍ وجوديٍ ندركهُ جميعاً ولا نختلفُ في تقييمهِ .