أعرف أنني قد أتوه في ثنايا الأفكار وبناتها، ولا أطيق الانتظار أو تأجيل مشاعري تجاه "صنعاء" وهي التي على تنورها صنعت لوجه التاريخ باباً وفتحت قصورها للأسماء والعابرين وولادات اللحظات التي لا تُمحى من ذاكرتها وملامح أبنائها، وأعرف أني من صنيعة صنعاء وعشقها الطفولي وانسيابها في مراهقتي بين أوردتي وأزقة حواريها ومآذنها العامرة بصوت الجلالة والتعظيم للواحد الأحد، وأعرف أني مكبل بأنياب الحرب وخشوم بنادق إيران المتجولة عند بابي وفكري.
مع كل الحظ الذي حالف الإيرانيين في تسوير صنعاء وإغلاقها في وجه أبنائها، وفي لحظة كان التاريخ منشغلاً بالكثير من المتغيرات واليمنيين "ألين أفئدة" كانوا يمضغون الخديعة الإيرانية في تحويل صنعاء إلى جنة عرضها اليمن، ولكن الأمر كان هو أن تذهب ثمار تلك الجنة إلى طهران وصراعها من أجل التوسع والنفوذ والتغلغل، وكانت الأداة التي استخدمتها في تلك الخديعة الكبرى الطائفية والعنصرية وفلسطين المسلوبة مرتين.
لكن الشيء الذي أراده الإيرانيون هو أن تكون صنعاء بعيدة عن صنعاء اليمنيين، حضوراً في الفكر والثقافة واللغة والتاريخ، أراد الإيرانيون أن تصبح صنعاء ولاية متأسلمة يطحنها الإسلام السياسي والإمامة القاتلة، وتريد صنعاء اليمنيين أن تبقى قبلة اليمنيين بمختلف ألوانهم وثقافاتهم، تريد أن تبقى يمنية في التاريخ والحاضر والمستقبل، تريد أن تكون صنعاء هي صنعاء العروبة والمحبة لا صنعاء الإيرانيون بوجه قاتل طائفي وعنصري مقيت.
لن يدرك الإيرانيون أن صنعاء لن تكون لهم ولن تبقى أقدامهم تطأها وأن الزمن لن يغير عشقها في أفئدة الناس فيها، ولن تكون إلا منارة اليمنيين في مختلف اللحظات الفارقة في التاريخ، ولن يدرك الإيرانيون أن الناس مهما صمتت تحت تهديد السلاح والقوة فإنها لن تتخلى عن عشق صنعاء وحبها، وستأتي اللحظة الحاسمة في أن تجهر بذلك العشق من كل حارة وبيت وشارع.
والعاقبة لصنعاء وأبنائها وكل اليمنيين