لا يكاد يختلف رأيان حول أن جماعة الحوثي مليشيا اتصفت بالغدر والانقلاب على كل اتفاق أبرم معها منذ بداية تحركاتها واغتنامها فرصة الشتات والخلاف السياسي الذي شهدته اليمن، وبالتالي تحقق لها الانقضاض على الدولة واحتلال مؤسساتها والاستئثار بالسلطة لنفسها ولنفسها فقط.
ونتيجة لذلك فإنه من المعيب أن يختلف عاقلان حول كون هذه العصابة قوة غاصبة ومحتلة، كما لا خلاف حول ما تسببت فيه من تشريد وتجويع وإفقار للشعب اليمني بعنوة انتقامية تدل على سلوك عصابة لا مشروع لها غير الخراب والتدمير والنهب، وأن الأوضاع التي يعيشها الوطن في الوقت الراهن يشكل بيئة مناسبة جداً لممارسة مثل هذا السلوك الحيواني.
إن نظام الغابة والفوضى والانفلات هو النظام الذي تترعرع فيه مثل هذه العصابات.. بل إنها كثيرا ما تحلم في أن يعود نظام الحياة إلى نمطه البدائي، حيث لا قوانين ولا أنظمة ولا عقود تحد من تمتعها بالحرية المطلقة والحكم المطلق والسيادة المطلقة.. مجتمع الغابة البكر هو ما يناسبها لأنها فيه من تضع القوانين والأنظمة وتسير الحياة بما يوافق هواها..
وعلى أن ذلك لم يكن متوفراً لها في الساحة، لأن اليمن كانت قد أنشأت وأوجدت ركائز وأسس الدولة النظامية الحديثة، إلا أن الفوضى التي ابتكرت وشاركت الجماعة المتمردة في صياغتها وتنفيذها كانت كفيلة بأن تحول الساحة والواقع السياسي إلى صيد سهل، لم تفوت العصابة اقتناصه وإزاحة كل من يمكن أن يكون شريكاً فيه، بداية بفعل الاحتيال والمهادنة والمشاركة ثم الانقلاب والقتال وإراقة الدماء..
نعم لقد نجحت هذه العصابة بدهاء ماكر وبشراسة مفرطة في اقتناص فرصة الشتات والخلاف بين القوى السياسية لتختطف اليمن من اليمنيين، وتحويله إلى غابة تتسيده ضباعها المفترسة، وتمكنت بقوة السلاح المنهوب والسلطة المختطفة من أن تحول تلك القوى السياسية إلى مكونات ضعيفة ومشتتة، وفرضت نفسها كسلطة أمر واقع، مؤدية رسالة استقواء بشعة مفادها أن اليمن لنا ولنا وحدنا وأنه لا فكاك لخناقه من كفيها ومخالبها الجارحة..