في الحرب التي دارت بين حكومة أثيوبيا، والمتمردين في إقليم تيجراي خلال شهر نوفمبر الماضي، تبادل أنصار الطرفين القصف المتكرر بالصور والفيديوهات المضللة، لتعزيز الموقف في الجبهات على ما يبدو.. أو لتطمين الجمهور، ولو بالزيف والتضليل والتلاعب بالمعلومات.
هذا الأمر لفت انتباه محرري موقع بي بي سي، فراحوا يدققون في تلك المعلومات والصور والفيديوهات.. مثلا، نشر أثيوبيون داعمون للجيش صورة تظهر رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد ملتحيا، ومرتديا الزي العسكري، ويمسك بهاتف في إشارة إلى مشاركته في شد أزر الجيش، فأعاد نشرها ألف مناصر للجيش الأثيوبي على صفحاتهم بوسائل الإعلام الاجتماعي- التواصل الاجتماعي، وعند التدقيق تبين لفريق بي بي سي أن الصورة هي لجندي في أوكرانيا والتقطت في العام 2017 ، ولكن تم تعديلها لجعل الجندي يبدو وكأنه آبي أحمد، بعد إضافة اللحية إلى وجهه.
هذا مثال بسيط لعمليتين متلازمتين، كلاهما على قدر من الأهمية بالنسبة لوسائل الإعلام ولمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي: الأولى هي أن التضليل وتزييف وعي الجمهور، ومناصرة الجيوش أو السياسيين بالأوهام والكذب والخدع، يجعل مستخدمي هذه الأساليب موضوعا للسخرية، فوق أنه يضعف الثقة بوسائلهم الإعلامية، إذ أن التضليل والتزييف والخدع لا بد أن يكشف، حتى وأن تمتع به أصحابه لوقت قصير.. هذا يشبه قطعة علك محلاة بالسكر، تمضغ لدقائق، ثم بعد فقد مذاقها الحلو ترمى في سلة القمامة أو في المرحاض.. أما العملية الثانية، فتتعلق بضرورة التدقيق في الصور والفيديوهات التي توضع في طريقنا، وفحص المعلومات التي نتلقاها قبل توظيفها للأغراض الإعلامية والثقافية، كي لا نفقد مصداقيتنا، إن كانت المصداقية من قيمنا.. وعملية التدقيق في الصور والفيديوهات لمعرفة أهي حقيقية أم مزيفة ، فقدت غدت سهلة كما قيل لنا، بالنسبة للمشتغلين بالصحافة والإعلام، بحكم الاستخدام اليومي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
قبل يومين أذاعت إلى الجمهور قناة فضائية خليجية مشهورة، فيديو وخبرا طازجا عن المعارك في مأرب! قالت لجمهورها إن (محافظ مأرب سلطان العرادة يعلن رفع العلم اليمني فوق جبال هيلان).. وأمر مبهج أن يرفع العلم على هيلان الذي تسيطر عليه ميليشيا الجماعة الحوثية.. لعل المحرر قد لاحظ أن العرادة كان يتحدث أمام جمع كبير من المسئولين والمشايخ، لكنه لم يسأل: أيعقل أن يجتمع كل هؤلاء في مكان واحد داخل مدينة يهاجمها الحوثيون من جميع الجهات، ويرسلون صاروخا أو مسيرة تسكب متفجرات على أي مكان يجتمع فيه ثلاثة أشخاص أو أكثر؟ ولو سأل نفسه هذا السؤال لقاده إلى تحري الأمر، أو التدقيق في الفيديو.. على أن القيادي في حزب الإصلاح الشيخ محمد الحزمي نشر الفيديو في صفحته قبل القناة، ويبدو أنها اعتبرت الشيخ من أهل الثقة فسارت خلفه، أو أن جهة أخرى دست الطعم اللذيذ في سلة القناة فتناوله المحرر وبلعه وورط القناة معه في موقف لا تحسد عليه، إذ أن المادة المستخدمة يعود تاريخها إلى شهر إبريل 2020 تقريبا، حسب المراجعة التي قام بها الكاتب.
ليس هذه هي المرة الأولى التي تقع نفس القناة في مثل هذا الخطأ، كما أنها ليس القناة الخليجية الوحيدة، فأشهرها وهي قناة الجزيرة القطرية تستأثر بحصة كبيرة من هذه البضاعة المزيفة.. وكلها تقريبا كررت خلال الفترة الماضية أخطا فاحشة، تماما مثل القنوات الفضائية التابعة لحكومة اليمن، والقنوات التي سطت عليها الجماعة الحوثية.
المثال الذي أخذناه من بي بي سي، ليس عسيرا، بحيث لا تقدر على مثله القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة، والنشيطين في وسائل الإعلام الاجتماعي أو التواصل الاجتماعي.. تحري المصداقية، يتطلب التدقيق في الصور والاخبار والفيديوهات والمعلومات، للتأكد من صحتها، قبل استخدامها أو إعادة توظيفها في الفضاءين الإعلامي والثقافي.. وللفائدة نزيد سوق مزيد من الأمثلة لعمليات الفحص التي قامت بها بي بي سي، للصور والفيديوهات التي استخدمت في حرب حكومة أثيوبيا والمتمردين عليها.. مقطع فيديو يظهر فيه إطلاق نار على طائرة عسكرية تابعة للجيش الإثيوبي، وتحطمها أثناء هجوم الجيش على منطقة تيجراي.. دققت بي بي سي في ذلك المقطع، وقالت لنا إنه مأخوذ من لعبة فيديو معروضة على قناة يوتيوب يابانية، لكن تم التلاعب به للحصول على ذلك المشهد.. صورة لطائرة أثيوبية تحترق وهي في السماء، بينما لم تكن أثيوبية، إذ استخدم المناصرون للتيجراي صورة لطائرة أف - 16 أردنية وهي تتحطم في العام2016 بسبب خلل فني.. صورة لانفجار في مدينة تيانجين الصينية حدث في العام 2015 بمستودع يحتوي على مواد كيميائية، هذه الصورة استخدمها المناصرون التيجراي لإبراز هجوم شنته قواتهم على مدينة بحر دار بأمهرة، بينما استخدمها مناصرون آخرون لإظهار هجوم التيجراي على العاصمة الاريتيرية أسمرة ردا على مساعدتها للجيش الأثيوبي حسب زعمهم.. ومقطع فيديو آخر لهجوم صاروخي شنه التيجراي على أسمرة أيضا، وبينما لم يحدث شيء من ذلك، وتبين أن المقطع أخذ من فيديو لهجوم صاروخي نفذته في يناير2020 ميليشيا موالية لإيران على إحدى قواعد الجيش الأميركي في العراق.