انطلقت شركة 23AndMe في 2006 كشركة تقدم لك تحليلاً جينياً يكشف لك عن أصولك والصفات التي تحملها جيناتك. كان ينظر للخدمة بأنها “للناس الي عندها فلوس”، كون نتائجها لم تتعدى إظهار أصولك والمناطق المختلفة التي جاء منها أجدادك قبل آلاف السنين. وقد شكلت هذه النتائج مادة جيدة لبعض الفيديوهات، التي أشخاصا يفاجؤون بأصولهم، كما أنها كانت مصدر غضب للعنصريين الذين يفتخرون بأصولهم لأرض معينة، بعد أن اكتشفاهم أن أصولهم متنوعة.
مع مرور الوقت بدأت الشركة في تقديم التقارير الطبية البسيطة لمستخدميها الذين قاموا بشراء عدة التحليل التي يبدأ سعرها من 99$ دولار.
تقوم الشركة أيضاً الشركة أيضاً بالأبحاث على الجينات ومشاركتها مع المعاهد والمختبرات من أجل تطوير الأدوية، وتظهر البيانات أن 80% من مستخدمي الخدمة وافقوا على استخدام حمضهم النووي في هذه الأبحاث المتعلقة بالأدوية، وقد نتج مؤخراً عن هذه الأبحاث تعاون بين الشركة وبين Almirall المتخصصة في منتجات الجلدية.
بموجب الاتفاقية بين الشركتين، ستقوم Almirall بتطوير أدوية لمعالجة أمراض جلدية مثل الصدفية، وستكون هذه الأدوية مبنية على برائة الاختراع الخاصة بشركة 23AndMe وتعد هذه أول صفقة من هذا النوع. لم يتم الكشف عن التفاصيل المالية لهذه الصفقة، لكن الأكيد أن كلا الشركتين ستجنيان الأرباح، في حين أن المستخدمين لن يحصلوا على أي شيء.
مع أن شركة 23AndMe لا تمتلك حمضك النووي إلا أنه من المؤكد أن الشركة ضمنت حقها في البيانات التي تنتج من تحليل حمضك النووي وأي شيء ينتج عنه، ولأن ملكية البيانات تعود لها، فسيكون من حق الشركة مشاركة البيانات مع الشركة الاخرى، وهو ماقامت به الشركة بالفعل سابقاً وأثار سخط البعض. فالشركة سوقت لنفسها “في البداية” وكأنها تساعدك على معرفة أصولك عبر تحليل جيناتك، ولكن مع مرور الوقت يبدو أنها ستتحول إلى مالك لبراءات اختراع للعديد من الأدوية والتي قد تجني لهم الكثير من المال.
قد تكون شركة 23AndMe أشهر شركة تعمل في هذه المجال حالياً، ولكن ظهرت في الأونة الأخيرة العديد من الشركات التي توفر خدمات مشابهة لها، ورغم أن كل شركة تسوق لعملائها أنها ستحلل حمضك النووي ولن تتربح منه، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل. والتفاصيل هنا ستكون ضمن شروط استخدام الخدمة والتي قد تنص على أنك تعطي الحق لهذه الشركة بالاستفادة من بياناتك في العديد من الأمور منها البحثي والتجاري.
أول مايخطر على البال هو أن تتم مشاركة بياناتك مع شركات التأمين، والتي سوف سوف تستفيد من هذه البيانات في دراسة سوق معينة – مثلأ الجزيرة العربية – ومن ثم يتم تحديد الأسعار ومراجعتها لضمان أكبر قدر من الربح وتعديل اتفاقيات التأمين لتقليل الخسارة وتحميل الأشخاص مبالغ أكثر.
هل تريد سناريو أسوء؟ على افتراض أن هناك من يُعد للقيام بحرب بيولوجية على دولة معينة، أو شعب ذو أصول عربية او شرق أوسطية مثلاً، ألن يكون بالإمكان بناء أسلحة تستهدف الحمض النووي لهؤلاء وتتخلص منهم دون إراقة قطرة دماء واحدة؟ قد تفاجئ بأن هذه الفكرة قد ظهرت كخيال في أربعينات القرن العشرين، ولكن الحديث عنها قد بدأ بشكل جدي في نهاية التسعينات، وهناك بعض الدول مثل روسيا قامت بمنع تصدير العينات البيولوجية للروس بعد انتشار اخبار عن تطوير أسلحة تستهدف الروس من قبل الولايات المتحدة.
حتى اليوم مازالت مشاكل الخصوصية التي تسببها الشبكات الاجتماعية محل جدل كبير، والكثير من هذه المشاكل لم يحل ولن يحل للتعقيد الكبير. وبينما ننشغل بالحديث عن تبعات تويتر وفيسبوك، يتم بناء قواعد بيانات للحمض النووي البشري من قبل شركات خاصة. ولو كنا نظن أن انتشار صورة خاصة لنا على تويتر هو مصيبة، فلنا أن تتخيل حجم مصيبة انتشار بياناتنا الجينية على الانترنت ليستفيد منها كل من هب ودب، ولو كان لنا في التاريخ عبر فإن هذا الاختراق قادم لا محالة.