لن ينسى التاريخ أبداً أن الشعب اليمني وجد نفسه، في حقبة منه، محاصراً بقيود مؤامرة قبيحة، اشترك فيه العالم كله: الشقيق وغير الشقيق، الصديق وغير الصديق.. وجد الشعب اليمني نفسه وحيداً محاطاً بالقهر والخذلان والوجع وبدمار مهول ليس في الوطن والمقدرات وحسب، وإنما في القيم والعدالة وفي كل ما يحفظ كرامة البشر ويراعي حقوقهم في الحياة وانتماءهم للأوطان..
لا شك أبداً في أن التاريخ، حاضراً ومستقبلاً، سيرصد ويدون ما تعرض ويتعرض له اليمنيون من ظلم وعدوان على حقوقهم الطبيعة في أن يحظوا بالأمان والاستقرار والانتماء لوطن يستطيع احتضانهم وإتاحة خيراته ومقدراته لهم.. سيدون التاريخ أن أيادي عابثة، سواء في الداخل وداخل الداخل أو في الخارج وخارج الخارج، تدنست بالعبث في حياة ما يقارب من أربعين مليون يمني، لتحول الأرض من تحتهم والسماء من فوقهم إلى جحيم لا يطاق..
وكما سيكشف التاريخ مستقبلاً هذه المؤامرة/الجريمة في حق اليمن أرضاً وإنساناً وكيانا مجتمعياً ودولياً، لن يغفل أبداً دور الشعب وواجبه في المحافظة على وحدة وتماسك الوطن، وحمايته من التمزق والشتات اللذين يعيشهما.. فقد كان ولا يزال هذا الدور سلبياً للحظة الراهنة.. ولن يدافع التاريخ عن اليمنيين كشعب، في مرافعاته المستقبيلة من هذا الجانب.. سيسجل ملاحظاته التي من أبرزها أن اليمنيين تساهلوا واستسلموا لقوى الداخل والخارج السياسية والانتهازية لتفعل بهم كل ذلك..
إن من مبادئ المنطق أن يستحق المتهاون في حقه العقاب والنتائج السلبية، ولو لم يكن منها إلا الاستمرار في ذلك التهاون والاستسلام، فهو عقاب يورث الخزي.. ولن يتردد التاريخ في تسجيل ذلك في صفحاته، فمن أبرز شيم التاريخ العدالة وإن بعد حين.. سيسجل غداً سيرتنا ويطلق الأحكام في حقنا، وهو محق.. سيقول أن هناك شعباً ارتضى الضيم والظلم لنفسه، ولم يتقلد وسام شرف واحد في الدفاع عن نفسه، على الأقل بالتعبير عن موقف رفض لكل من أياديهم ملوثة بدماء هذا الوطن الجريح..
لقد أثبتت الأحداث في اليمن أنها متواليات ملوثة الإدارة والتوجيه، وأن التلوث مثلما يطال أطرافا خارجية يحيط بأطراف في الداخل اليمني، أطراف سياسية وقيادية تخفي مصالحها وفسادها وضلوعها في التآمر على اليمن واليمنيين، وراء دعاوى وادعاءات ولافتات عريضة الزيف والخيانة.. وأن على اليمنيين أن يجهروا وإن بصوت رفضهم فقط، في وجوه هذه الأطراف والكيانات التي كانت ولا تزال بوابة عبور لما يعيشونه ويعانونه اليوم من معاناة لا يستحقونها..
إن صوت الرفض مقاومة، والمقاومة شرف رفيع حين تكون على مبدأ عادل أو موقف حقيقي ينشد تحقق العدالة.. وإن اليأس والاستسلام لآلات وجنازير الشر يجعل الشعب مشاركا في جريمة الإيذاء التي يتعرض لها منذ عقد من الزمان وأكثر.. ليس اليمن بضعة قادة وسياسيين وهوامير هنا وهناك.. اليمن أكبر من ذلك بكثير.. اليمن تاريخ وحضارة ووجود فعلي في كل خرائط السياسة والجغرافيا والبشر.. وشعب مثلما يعرف أن من حقه العيش بأمان كبقية الشعوب، عليه أن يدرك أن من واجبه كذلك الدفاع عن كل تلك الحقوق وانتزاعها من الوجود انتزاعاً إن لزم ذلك.. لا أن يظل مسلماً أقداره ومصائره للسيئين والفاسدين.