لا حرب ولا سلام.. لا حسم ولا استسلام.. لا فناء ولا خلاص..!! هذا ما يعيشه لسبب أو دون سبب ما يقرب من أربعين مليون مواطن يمني، يعانون ويقاسون المرارات، وكل جريرتهم وذنبهم أنهم ينتمون إلى وطن جريح ومخذول أيما خذلان..!! وطن يئن حسرةً ويدمى أسفاً من كل جراحه المثخنة، ولم يعد يدرك من حوله أفقاً لينتظر خلاصاً أو يقتنص حتى كوَّة لينظر من خلالها لما يمكن أن يكون غداً أو مستقبلاً..!!
في بداية البدايات تعبر سبع سنوات مجنزرة، تحمل في يديها وابل الموت ليحط على سقوف الأبرياء، متجاوزاً الأقدار وطبيعيتها.. ووباء الفقر يتخلل الحياة ويعبر ممراتها، داهساً على وجوه وقلوب بشر لم يستحقوا أن يكونوا رصفاً لطرقات الحرب، ولا مهباً لدوي الموت الصارخ، ولا هدفاً لصواعق الفقر، ولا ضحايا لعواصف التشرد وريح الشتات، تنوء بهم وتدحرج أقدارهم إلى حيث لا يعلمون..!!
ثم من بعد ذلك ثلاث عجاف أخرى مبهمة الملامح، مجدورة الوجوه، بشعة الهدأة والسكون.. ليظل حالنا كحال محكوم وُضِع حبل المشنقة في رقبته، وأصبح يرقب الطرقات على أمل أن يرى عابراً يستنجد به، ليدفع من تحت قدميه مقعد الخلاص من كل هذه العذابات البشعة، التي يتأرجح بين كفوفها هزيلاً مظلوماً، ومحروماً حتى من لحظة الخلاص والرحيل الأبدي الذي أصبح يراه كجائزة..!!
ثلاث سنوات مصلوبون بهذه الكيفية الانتقامية، التي لا تتوافق مع شيء من المنطق..!! هُزمنا في كل جولات الأمل والرجاء، فكان الصبر والعناء زادنا مهما اشتدت مرارتهما، ولم يكن في مكافآتنا ونهايات طرقنا شيء غير الخذلان والحرمان والقهر والظلم، يوضع كل مساء في موائدنا، فنتجرعه من أباريق ماؤها غور وأوانٍ زادها نار وجمر، وفي أفضل الفرص المختطفة رماد، ندرك كلما تلامسنا معه أنه رماد أجسادنا الذاوية..!!
ماذا بعد أيتها الحرب..؟ ماذا بعد أيها المتقاذفون بأشلائنا..؟ ألم تشبعوا بعد من انتهاك بشريتنا..؟! ألم ترتووا بعد من دماء إنسانيتنا، الذي يستمر جريانه في أشداقكم الشرهة..؟! ماذا بعد..؟! جُرحنا كثيراً في جبهات الحياة المريرة التي فتحتم لنا أبوابها على الجحيم، ومتنا أكثر مما نستحق، وبعثت أشلاؤنا مراراً وتكراراً لتتسلوا بتمزيقها.. فكم علينا أن نموت بعدُ لنحيا أو على الأقل لترضوا عنا..؟!