عربي ودولي

ترامب وحماس.. المستأجر السيئ أفضل من العقار الشاغر!

وكالات

|
قبل 2 ساعة و 35 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

لماذا تتقلب مواقف ترامب حيال حماس؟ 

بدأ دونالد ترامب الأسبوع مثنيا على حركة حماس لـ"حفظها النظام" في قطاع غزة، وأنهى الأسبوع مهددا بـ"الدخول وقتلها" ما لم تتوقف عن قتل الناس، قد يبدو هذا، بالنسبة لمعظم القادة، اضطرابا، أما بالنسبة لترامب، فهو تكتيك محسوب.

إن تعامله مع إعادة بسط حماس لسيطرتها في غزة يكشف عن قوة وهشاشة منهجه في آن. عندما بدأت الحركة بتطهير الفصائل المتنافسة كانت غريزة ترامب الأولى هي القبول العملي، حيث إن غزة تحتاج إلى سلطة ما لمنع الانهيار، في ظل عدم جهوزية أي قوة دولية للتدخل، وكان السماح لحماس بـ"تطهير العصابات السيئة"، كما وصفها، ضرورة قبيحة.

لكن سرعان ما وجه ترامب برد فعل عنيف. اتهم مسؤولون إسرائيليون حماس بالإعدامات، وحذر القادة الأميركيون من إضفاء الشرعية على منظمة إرهابية.

وفي غضون ثمان وأربعين ساعة قلب ترامب موقفه. أعلن عبر حسابه على منصة "تروث سوشال": "إذا استمرت حماس في قتل الناس، فلن يكون لدينا خيار سوى الدخول وقتلهم".

بيد أن هذا الانقلاب الكلي في موقفه ليس عشوائيا، وينسجم مع منطق ترامب نفسه الذي يظهر بحلة اللامنطق أحيانا.

التناقض المحسوب

تقلبات الرئيس الأميركي ليست ترددا وحسب، بل آلية ثابتة لإدارة بحثه عن المزيد من النفوذ. فمن خلال التأرجح بين التساهل والترهيب، يبقي ترامب جميع الأطراف معتمدة على خطوته التالية. ترى حماس في "تفهمه لها" درعا مؤقتا، وترى إسرائيل في موقفه العام دعما مشروطا. يعتقد كل طرف أنه يستطيع استمالته مباشرة، وهو ما يمنحه السيطرة على الجميع. ففي عالمه، ليس اللامتوقع عيبا، بل شكل من أشكال القوة.

البراغماتية الترامبية

على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين، ليس لدى ترامب أي أوهام حول إصلاح حماس. وهو لا يتعامل معها كحركة يجب تغيير سلوكها، بل كقوة أمر واقع محلية يجب إدارتها في هذه اللحظة الانتقالية. وما تسامحه معها الآن إلا لأن في ذلك ما يحمي صورة وسمعة الاتفاق الذي دفع الجميع إليه، ولا يريد له أن يلوَّث بأي "أخبار سيئة". في نظرته العقارية للجيوسياسة، التي تشكل عمق تفكيره، المستأجر السيئ أفضل من العقار الشاغر.

وكأن ترامب يحاول تأجيل التحدي الذي يعلم أنه سيصل إليه لاحقا، عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار، ويرفض ذلك "المستأجر" المغادرة.

صورة القوة

التغيير المفاجئ في موقف ترامب غالبا ما يتقاطع أيضا، مع حاجات ومتطلبات السياسة الداخلية. قد يعجَب الناخبون الأميركيون بصنع الصفقات، لكنهم يعاقبون الضعف تجاه الإرهابيين. إن التهديد بـ"الدخول وقتلهم" يعيد إحياء العلامة التجارية الترامبية المألوفة: قاسية، حاسمة، وغير مقيدة بالشكليات الدبلوماسية. إنه يطمئن إسرائيل، ويرهب حماس، ويقدم نفسه بصورة المسيطر، حتى لو انطوت مواقفه على بعض الارتجال.

ومع ذلك، فإن لهذه الطريقة حدودا. تشوش التراجعات المستمرة على هيبة الردع، فإذا تبع كل تهديد انفتاح، وكل انفتاح تهديد، لن يعرف أي من الطرفين متى يجب أن يأخذ ترامب على محمل الجد. وعليه يؤدي التقلب الذي يمنح ترامب النفوذ والقوة، إلى تآكلهما مع الوقت، لأنه لن يحقق أكثر من امتثال قصير الأجل من قبل إسرائيل أو حماس، على حساب الثقة طويلة الأجل.

الحساب الأعمق

خلف هذه الفوضى يكمن منطق بارد. فدبلوماسية ترامب في غزة مبنية على ثلاث افتراضات:

1. يجب على شخص ما السيطرة على غزة الآن، حتى لو كان هذا الشخص حماس.

2. الرئيس الأميركي هو فقط من يملك النفوذ للتسامح مع حماس يوما، وتهديدها في اليوم التالي.

3. زخم الاتفاق أهم من اتساق بنوده. إذا صمد وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام المراحل التالية، يمكن لترامب إعادة تغليف التناقضات على أنها مرونة.

إنها نسخة عالية المخاطر من فلسفته التجارية: أبرم الصفقة أولا، ثم اهتم بالتفاصيل والأوراق لاحقا. فمهما بدت النتيجة مفككة الآن سيكون دائما بوسع ترامب أن يوقف القتال.

المخاطرة القادمة

رهان ترامب هو أنه يمكن إدارة عدم الاستقرار من خلال الكاريزما والخوف. إذا أطاعت حماس سينسب الفضل إلى نفسه في تقييدها، وإذا تحدته سيمتلك التبرير الكافي لاستئناف القوة. في كلتا الحالتين، هو الضرورة التي لا غنى عنها. فهذه الاستراتيجية لا يمكن أن تستمر من دونه، لأنها تعتمد على التدخل المستمر من الرجل الذي يقف في مركز العاصفة.

إن تعامل ترامب المتناقض مع حماس ليس ارتباكا، إنه أسلوب حكم. فهو يشتري الطاعة من خلال الغموض، ويحقق السلام من خلال الذعر. لكن الاتفاقات المبنية على الخوف والارتجال نادرا ما تعيش طويلا بعد رحيل الاستعراضي الذي هندسها وفرضها على الجميع.

خلال أيام معدودة فقط، انقلب موقف ترامب من حماس رأسا على عقب! بدأ الأسبوع مثنيا على الحركة لـ"حفظها النظام"، وأنهى الأسبوع مهددا بـ"الدخول وقتلها". هذا ليس ارتباكا. إنه منطق ترامب في أوضح صوره ليبقي الجميع تحت السيطرة.

عندما شرعت حماس ببسط سيطرتها الأمنية، كان القبول بها "ضرورة قبيحة" في ظل عدم جهوزية أي بديل، وعندما أحس أن ردة الفعل في وواشنطن ستجعله يبدو في موقع "شرعنة الإرهاب" قلب ترامب الطاولة سريعا.

التساهل مع حماس يخدم صورة الصفقة، فزخم الاتفاق أهم من اتساق بنوده وتفاصيله.

والتهديد، على الضفة الأخرى، يخدم السياسة الداخلية، ويرضي الناخب الأميركي ويحيي العلامة التجارية الترامبية المألوفة: قاسية، حاسمة، ومسيطرة.

هذا التذبذب ليس ترددا، بل آلية للنفوذ. بالتأرجح بين الإغراء والترهيب، يبقي ترامب خيوط اللعبة في يده. حماس ترى فيه درعا مؤقتا ضد التحلل التام، وإسرائيل مضطرة لقبول شروطه كي تضمن استمرار الدعم.

أسلوب ترامب ليس ارتباكا، بل استراتيجية تحكم تشتري الطاعة بالغموض والسلام بإخافة المتقاتلين.

لكن لهذا حدوده أيضا!

فتقلب المواقف يشوّش على هيبة الردع ويؤدي إلى تآكل الثقة.

والدبلوماسية المبنية على الخوف والارتجال نادرا ما تعيش طويلا بعد رحيل الاستعراضي الذي هندسها.

 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية