هل هناك فعلا من يعتقد أن تهديد إسرائيل بقتل عبدالملك الحوثي قد يكون خيارا فعالاً للضغط على الجماعة..؟! لا بد أن إسرائيل نفسها تعلم جيداً أن تهديداً كهذا لن يغير في واقع المعادلة القائمة شيئاً، وأن بقاء عبدالملك الحوثي من عدمه، لا ولن يؤثر تأثيراً يكاد يذكر في واقع الجماعة وانقلابها وتسلطها بقوة السلاح على ما تحت يدها من أرض اليمن.. وإذا افترضنا مجرد افتراض أن إسرائيل لا تدرك هامشية الحوثي وكونه مجرد رمز أو طوطم صنعته المليشيا الإرهابية، فإن أمريكا تعلم ذلك جيداً، لأنها في حقيقة الأمر هي التي تدير اللعبة بكاملها، بما في ذلك الانقلاب الحاصل في اليمن ومجمل التحركات الحوثية والإسرائيلية، وحتى التقاعس أو ما نراه تقاعسا من قبل الشرعية، وما داخل الشرعية ذاتها من تباينات واضطرابات كانت وما زالت عاملاً أساسياً لاستطالة الأزمة، وتفشي داء الحوثية في جزء كبير من مناطق اليمن..
إن من يعايش الجماعة في الداخل ويعرف هرميتها وتكوينها وكيف أصبحت ما أصبحت عليه اليوم، لا يفوته أبداً أن يلحظ ما يعتمل بداخل هذه الجماعة من تباينات، وما يشوبها من اضطرابات وتهلهل في العلاقات الكائنة بين صفوفها، أو بالأصح بين القيادات التي تنتظم تلك الصفوف.. وبالتالي لا يفوته التساؤل كيف لهذه الجماعة لا تزال قائمة وتحتل ما تحتله من مكانة كعنصر رئيسي فاعل، بل كطرف لا يواجه قوة الشرعية وحسب وإنما المجتمع اليمني بكامل تشكيلاته المعقدة سياسيا واجتماعيا وقبلياً، ويخطط له الآن أن يحدث انقساما إن لم يكن بين الدول فبين الشعوب العربية وأنظمتها..!! وإذ يخطر مثل هذا التساؤل في بال المتابع، لا يفوته أيضاً إدراك، أن هذه الجماعة الإرهابية من صنع وتدبير طرف أكبر مما يخطر في بال العامة وأنصاف السياسيين، وحتى المراقبين للأزمة من خارج حدودها ومؤثراتها، طرف متحكم وإن بدا بعيداً عن المتغيرات التي تعتمل بداخلها..
لقد بدأت الأزمة اليمنية لو استطعنا استرجاع تفاصيلها الأولى، تحت إشراف أمريكي/بريطاني مشترك، ولم تستطع متوالياتها أن تواري ذلك الإشراف، فقد كشفت الكثير من التدخلات، وإن بدت كتدخلات من بعد، أن الجماعة الإرهابية تحظى برعاية فوقية دقيقة ومتواصلة، وأن انقلابها لم يكن لينجح في مستواه التمهيدي وخطواته الأولى لولا تلك الرعاية.. ولا يفوتنا كمراقبين من قرب، أو من داخل الأزمة وأحداثها وتطوراتها، أن ندرك ونلحظ ذلك الإشراف وتلك الرعاية، اعتمادا على التناقضات واللاواقعية، وغير ذلك مما كان ولا يزال يخدم تفشي الحوثية ودعم المليشيا وتوسع مشروعها الإرهابي، وإيجاد قاعدة حاضنة له، ليس على المستوى اليمني وحسب، وإنما على المستوى العربي أيضا..!! وصولا إلى إدخال إسرائيل في معمعة الأزمة، وتصوير الحوثيين على أنهم عدوها الشرس..!!
إسرائيل التي ما أن أدركت في لحظة ما أنها تأذت (معنوياً فقط) في هيبتها وأمام مجتمعها والمجتمع الدولي، كما يتأذى خنزير من لدغة بعوضة في مؤخرته، حتى انهالت على اليمن ودمرت في ساعة زمن موجزة ما تصل قيمته إلى عشرات مليارات الدولارات من المقدرات والممتلكات العامة، ليس لتعاقب الجماعة الإرهابية الانقلابية، وإنما لتعاقب كل اليمنيين على ما تعتقد أن الجماعة الانقلابية ارتكبته في حقها، ضاربة عرض حائط المبكى، بأمريكا وبريطانيا ومخططهما في اليمن، على الرغم من كونها ربيبتهما، وكونهما من استعانا بها واستقدماها لضجيج وفوضى هي في غاية الغنى عنهما، لمجرد صناعة بعبع جحشي جديد يرتحلان على ظهره ويستخدمانه في فوضاهما المفتعلة في المنطقة.. جحش خدوم يجتمعان حيناً ويختلفان أحياناً في استخدامه، بحسب مصالح كل منهما، كما حصل منذ عشر سنوات ويحصل الآن.