في أزقة تعز العتيقة، حيث تتناثر المحال الصغيرة وتعبق الشوارع بروائح البخور والنحاس المحترق، يواصل الحرفيون عملهم في شهر رمضان، حاملين معهم إرثًا ثقافيًا ضاربًا في جذور التاريخ. رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المدينة، فإن أصحاب المهن اليدوية التقليدية لم يتوقفوا عن مزاولة أعمالهم، محافظين على الصناعات التي توارثوها عبر الأجيال.
يعمل الحرفيون في مجالات متعددة مثل صناعة الفخار، النقش على النحاس، الحياكة، وصناعة الخناجر التقليدية. يقول الحرفي أحمد القباطي، وهو صانع فخار في سوق الشنيني، إن رمضان يعد موسمًا مميزًا، حيث يزداد الإقبال على الأواني الفخارية التقليدية التي تستخدم في طهي الأطعمة الشعبية.
وأضاف: "رغم غلاء المواد الخام وتراجع القوة الشرائية، إلا أننا نحرص على الاستمرار لأن هذه المهنة ليست مجرد مصدر رزق، بل هوية وثقافة يجب الحفاظ عليها".
التحديات في ظل الأوضاع الراهنة
تعاني المهن التقليدية في تعز من عدة تحديات أبرزها ارتفاع أسعار المواد الأولية، تراجع الدخل لدى المواطنين، بالإضافة إلى ضعف الدعم لهذه الصناعات التي أصبحت مهددة بالاندثار.
يقول عبد الله الصمدي، نقّاش النحاس، إن تراجع السياحة الداخلية والخارجية أثّر على الطلب، لكنه يرى أن رمضان يمنح فرصة لتنشيط المبيعات، خاصة مع إقبال الناس على شراء المصنوعات اليدوية كهدايا أو زينة للمجالس الرمضانية.
رمضان.. موسم العمل والإبداع
ورغم الصيام والإرهاق، يبدأ الحرفيون يومهم في وقت مبكر، ويواصلون العمل حتى وقت الإفطار، ثم يعودون لمزاولة نشاطهم في الساعات المتأخرة من الليل، حيث تشهد الأسواق حركة نشطة.
يقول علي الصبري، وهو حرفي يعمل في حياكة "المعوز اليمني" التقليدي، إن الطلب يزداد خلال رمضان استعدادًا لعيد الفطر، مما يعوض جزئيًا فترات الركود السابقة.
دعوات للحفاظ على الحرف التقليدية
يؤكد خبراء التراث أن الحفاظ على هذه الصناعات يحتاج إلى دعم حكومي ومجتمعي، سواء من خلال توفير المواد الخام بأسعار مناسبة أو إنشاء برامج تدريبية لجذب الشباب لهذه المهن. كما يشير الباحث في التراث محمد المخلافي إلى أن "المهن اليدوية ليست مجرد مصدر رزق، بل تمثل جزءًا من الهوية اليمنية، وفقدانها يعني خسارة كبيرة للثقافة والتاريخ".
ووسط أجواء رمضان الروحانية والتحديات الاقتصادية المستمرة، يواصل الحرفيون في تعز كفاحهم للحفاظ على مهنهم التقليدية، مؤمنين بأن هذا الإرث الثقافي يجب أن يستمر للأجيال القادمة. وبينما يتغير الزمن وتتطور التكنولوجيا، يبقى الحرفي التعزي رمزًا للصمود والإبداع، حاملاً معه عبق الماضي وأمل المستقبل.