سجل الرئيس علي عبدالله صالح نفسه كأول رئيس يمني يسلم السلطة الى خلفه بعد سلسلة من مصارع السوء التي لقفت رؤساء سابقين في الشمال والجنوب بانقلابات عسكرية ودموية وصلت الى مقتل ثلاثة رؤساء من ابراهيم الحمدي واحمد الغشمي في صنعاء، إلى سالم ربيع علي في عدن فكلها تجارب مؤلمة سعى الرئيس علي عبدالله صالح ومن خلفه المؤتمر الشعبي العام لتجنبها وإخراج البلاد من أزمته السياسية بتقديم التنازلات .
وبرغم جراح استهداف رئيس الجمهورية في دار الرئاسة إلا أنه غلب مصلحة الوطن وأعلى كلمته برسم مسار انتقالي، باجراء انتخابات رئاسية مبكرة بموجب المبادرة الخليجية تحريكاً لمياة السياسة وتأسيساً لمرحلة إعادة قطار اليمن إلى سكته أملاً في التهيئة لأجواء ديموقراطية، وإنهاء رواسب الماضية وتفويت الفرصة على المتسلقين للوصول إلى السلطة عن طريق العنف.
غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن وطال الصبر في التحضير لمؤتمر الحوار الوطني وتعذر التهيئة لانتخابات جديدة بسبب الاختلالات الأمنية والهيكلة العسكرية وسيطرة جناح الأخوان المسلمين على مفاصل الدولة وتعمد التهميش والإقصاء فدخلت البلد في نفق مظلم، دخل من خلاله الحوثيون كلاعب جديد وتم إشراكهم في مؤتمر الحوار بنسبة كبيرة تفوق نسبة تمثيلهم الحقيقية في المجتمع.
حصلت السلطة الجديدة بعد 2012م، على دعم دولي كبير توج بانعقاد جلسة لمجلس الأمن في صنعاء في فبراير من العام 2013، في سابقة في تاريخ جلسات المؤسسة الدولية الأولى في العالم، وكان بالامكان توظيف هذا الدعم الدولي للعبور بالبلاد إلى بر الأمان، غير أنه تم استغلال الدعم الدولي للسلطة الجديدة للقفز على الديمقراطية والفترة الانتقالية المحددة بعامين والتمديد لفترة رئاسية جديدة في ختام مؤتمر الحوار.
التمديد للرئيس هادي، بحسب مراقبين أسس للتدخل الدولي في السيادة اليمنية وما أعقبه من الاستقواء بمجلس الأمن على الأحزاب والشخصيات السياسية وفرض البند السابع فضاعت بذلك البلاد واختلت موازين القوى وتم تغليب منطق البندقية على مبادئ التعايش السلمي والمواطنة والقبول بالآخر، لتندلع على إثر ذلك الحروب من دماج الى عمران وصنعاء وصولاً إلى أقصى الجنوب في عدن ولم يكن لكل هذا أن يقع لو تم التمسك بالمبادرة المزمنة بعامين.
اليوم، وبعد 12 عامًا على انتقال السلطة، يقف اليمن أمام واقع مختلف تمامًا عمّا كان مأمولًا في 2012. فبدلاً من أن يكون هذا اليوم ذكرى لنجاح التجربة الديمقراطية، أصبح ذكرى لضياعها، بعدما حلت الصراعات والانقلابات محل التبادل السلمي للسلطة، وتحولت البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة، تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تسببت فيها المليشيا التي أرادت الاستقواء بالسلاح واستبدلته بدلا عن الإرادة الشعبية للوصول إلى السلطة.