على الرغم من وضع السكون الذي كان أملاً والتهدئة التي كانت أمنية بالنسبة لكل مواطن يمني، خصوصاً من يقطنون في المساحة التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي الإرهابية، بعد حالة الحرب التي مزقت البلاد وحياة العباد لسنوات طوال، إلا أن ذلك الوضع لم يكن كما هو مأمول ومبتغى، لأنه سكون مخالف لما جرت عليه العادة في هدنات الحروب والنزاعات المختلفة، حيث تكون أوضاع الهدنات مصحوبة باتفاقات وتخريجات، تفضي في الغالب إلى حلول معقولة ومقبولة، حلول واضحة تعمل على تحسين أحوال المتضررين من هذه الحرب من جهة، وتكون مرضية لطرفيها من جهة أخرى، وفي أقل الأحوال قد تعاود الحرب أو يستأنف النزاع في حال اختلفت وجهات النظر والغايات لدى طرفي النزاع أو أحدهما..
في حال الأزمة اليمنية، نجد أن عملية التهدئة هذه، بالرغم من طول فترتها واستمرارها حتى اللحظة، لم تحقق لأي طرف غايةً أو هدفاً، غير جماعة الحوثي الانقلابية، فمن يوم لآخر تتفاقم أحوال الناس المتضررين من الحرب، ويتضعضع وضع الطرف الآخر المتمثل في الشرعية وأتباعها وأحلافها، بما في ذلك السواد الأعظم من أبنا الشعب، الذين يرفضون عقلياً ومنطقياً الانقلاب، ويفضلون طرف الشرعية على ما فيه من مساوئ وما عليه من ملاحظات.. ومن هنا يتأكد للجميع أن لا أحد لديه فائدة أو منفعة متحققة، من مثل هذه التهدئة غير الجماعة الانقلابية، التي استعادت ولا تزال تستعيد قوتها وترتيب صفوفها وامتصاص دماء وأموال الناس، وكل ذلك فضلاً عن ابتكار وابتداع فكرة العمليات التي تنفذها المليشيا في البحار، والتي وفرت لها فرصة كبيرة، للتأثير على مشاعر ومواقف الكثير من المواطنين، لاستعادة شعبيتها ورفد صفوفها وموقفها بالمناصرين ليس في الداخل وحسب وإنما في الخارج أيضاً..!!
ليظهر اليوم كنتيجة حتمية وبوضوح لم يعد يحتاج إلى اختلاف في التفسيرات، أن لهذه التهدئة أجندات خفية تتجاوز القضية الأساسية القائم حولها النزاع في اليمن، ولا تراعي بدرجة أساسية ما خلفته الحرب من دمار للوطن وخسارات للمواطن، منذ ما يقرب من عشر سنوات.
ولم يعد خافياً أن هناك من لا يريد لهذه المليشيا أن تغيب عن الساحة، وأن تسلك الأحوال مجراها الطبيعي بالتخلص من الانقلاب..!!وكل المؤشرات أصبحت اليوم تحكي عن أن استمرار هذا الانقلاب يخدم أطرافاً دولية، ربما كانت، وبذكاء كبير، بعيدة عن المشهد في السابق، ولكن بتدرج انتظمته الأحداث والتطورات، أصبحت في اللحظة الراهنة واضحة الحضور والأثر، حد أنها تدير وبشكل شبه مباشر، كل تفاصيل الأزمة، وتقف وراء كل متغيراتها منذ بداية الانقلاب وإلى الآن..
وبما أن تلك الأطراف الخفية، والتي كثيراً ما حاولت التخفي تحت غبار الأزمة، تمثل قوى متنفذة كبرى، وتتحكم بالأطراف المتنازعة معاً هنا وهناك، فإن لا يد أخرى غير يد الخفاء الطولى يمكنها تغيير هذا الواقع المفصل تفصيلاً دقيقاً، لا يد أخرى يمكنها التحكم والتأثير على الترتيبات القائمة، أو حتى على الأقل إعطاء صورة حقيقية للسكون المريب الكائن الآن.
وفي العادة أن لكل فعل وتغير سبباً، ولكل سبب مسبباً ومتسبباً، وللأسف الشديد يظهر في مجمل الصورة أن طرف الشرعية لم يتجاوز موضع المتسبب، في كل ما وصلت إليه الأوضاع، وذلك باعتباره أعاد وكرر الرضوخ لمختلف الضغوطات التي سيق إليها، من طرف تلك القوى الخفية، ليضع نفسه في هامش التأثير وبعيداً عن اتخاذ القرار، الذي يترتب عليه مصير كل اليمن ومصير كل اليمنيين، بما في ذلك القسم الكبير من أبناء اليمن الذين راهنوا على الشرعية وآمنوا بها باعتبارها طرفاً أصلح وأكثر أماناً من المليشيا الإرهابية التي تبنت الانقلاب والحرب والدمار نهجاً وطريقاً للوصول إلى السلطة واغتصابها.