فلسطين، أرضٌ ارتبط اسمها بقدسية السماء، وترابٌ امتزج بعطر الأنبياء، وخارطة تحولت إلى وجهةٍ للأطماع وميدانٍ لصراع الأمم منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، وكعهدها الأبدي في كتب السماء ومدونات التاريخ وخرائط الجغرافيا السياسية ومؤامرات الاستيطان وقرارات التقسيم ستبقى تسمى فلسطين.
من خدعة القرن أوائل القرن العشرين وحتى مؤامرة صفقة القرن أوائل القرن الواحد والعشرين ظلت فلسطين تمثل الهدف الرئيسي الذي يسعى داعمو الثورات العربية الزائفة ومؤججو الصراعات في البلدان العربية للاستيلاء عليه ومصادرته أرضا وهوية.
وإذا كانت خدعة القرن الأولى قد نجحت من خلال ما تسمى بالثورة العربية الكبرى، في تنفيذ مخطط استعمار البلدان العربية وادخالها تحت وصاية بريطانيا وفرنسا اللتين اتفقتا على تقاسم الأراضي العربية من خلال ما يعرف باتفاقية (سايكس بيكو) الموقعة في العام 1916، وانتهت إلى وعد بلفور ومنح اليهود وطنا في فلسطين، فإن ما شهدته البلدان العربية فيما سمي بثورات الربيع العربي في العام 2011م انتهى إلى صفقة القرن التي تمثل الفصل الثاني لمؤامرة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإزالة اسم فلسطين من الخارطة.
بعد الحرب العالمية الأولي والتوقيع على "معاهدة فرساي" اتجه الحلفاء في العام 1919 لتأسيس "عصبة الأمم" وتحت مزاعم الحفاظ على الأمن والسلم العالمي بدأ عصر التقاسم والاحتلال، وتحولت الأطماع الاستعمارية إلى إرادة دولية وقرارات نافذة وملزمة لا اعتراض عليها وهو ما حدث بالفعل حيث كانت فلسطين والشعب الفلسطيني الضحية الأولى في قرارات الكيان الاممي المسمى "عصبة الأمم" التي أقر مجلسها المنعقد في 24 يوليو 1922 مشروع الانتداب على فلسطين وأجاز لبريطانيا احتلالها والوصاية عليها وتقرير مصيرها.
بعد الانتهاء من تقاسم غنائم الحرب العالمية الأولى ورسم خارطة جديدة للوطن العربي، وتنفيذ مخرجات قرار المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، تلاشت عصبة الأمم، وأفضت المتغيرات الدولية إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية التي ما إن انتهت حتى تم الإعلان عن تأسيس الأمم المتحدة في أكتوبر من العام 1945.
لكن ورغم أن التسمية التي أطلقها المنتصرون في الحرب أظهرت "الأمم المتحدة" على أنها منظمة أممية دولية تعمل على حفظ الأمن والسلم العالمي، إلا ان تسميتها بذات المسمى الذي كان الحلفاء يطلقونه على تحالفهم ضد النازية أكد أن الكيان الأممي الجديد امتداد لعصبة الأمم، وان قراراتها ستسير في ذات الاتجاه الذي سارت عليه قرارات "عصبة الأمم" وهي الحقيقة التي تجلت في قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي جاء مترجماً لوعد بلفور وقرارات المؤتمر الصهيوني الأول.
ومنذ العام 1947 وحتى اليوم أصدرت الأمم المتحدة ما يزيد عن (174) قرارا بشأن فلسطين، لكن قراراتها المنحازة للصهيونية والمؤيدة لتوجهاتها بمصادرة الحقوق العربية، لم تحقق أي نوع من العدالة الدولية بقدر ما دعمت الاحتلال وساندت سياساته في الاستيطان وتهجير وقتل الفلسطينيين.
قرار أممي في العام 1947 صادر نصف فلسطين ونجم عنه تهجير أكثر من مليون ومئتي ألف فلسطيني، وتنفيذ 13 مذبحة وأكثر من أربعة آلاف مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 150 ألف مواطن فلسطيني، وما بين أول مذبحة في دير ياسين عام 1947 وآخر مجزرة يتم ارتكابها في قطاع غزة، تزداد الأطماع الصهيونية اتساعا وتتجه للاستيلاء على كل فلسطين، وإبادة الشعب الفلسطيني الذي لم تحرك معاناته وآهاته التي بلغت أقاصي ذلك الساكن العربي المعهود.