في العام 1988 تم الإعلان عن انتهاء الحرب التي أشعلت إيران فتيلها فيما بينها وبين العراق، لكن توقف الحرب التي شبه الخميني توقيعه على انهائها بتجرع السم، لم يكن سوى إغلاق لملف المواجهات العسكرية المباشرة وفتح ملفٍ آخر وحربٍ صامتة تستهدف تدمير الأنظمة العربية من الداخل.
هزيمة طهران عسكريا أمام العراق وفشلها في اختراق البوابة الشرقية للوطن العربي لم يضع حدا لسيناريوهاتها وأجنداتها التوسعية بقدر ما دفعها لتغذية أطماع غير معلنة للولايات المتحدة في السيطرة على مصادر الطاقة واستدعائها إلى المنطقة ودفعها لشن حرب على العراق تحت مبرر القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي تمت اثارتها بناء على معلومات استخباراتية مزيفة قدمتها طهران لواشطن بطرق غير مباشرة.
التخادم الإيراني الأمريكي الذي بدأ بطرق غير مباشرة سرعان ما تحول بعد سقوط العراق إلى تخادم معلن انتهى إلى تقاسم أفقد العراق استقلالها ووحدتها وقرارها السياسي وحولها من دولة تتصدر المشهد السياسي والعسكري العربي إلى مسرح إيراني لإقامة الشعائر الطائفية.
نجحت طهران في تدمير العراق وتوجيه الحرب التي شنتها واشنطن ضد النظام العراقي لخدمة أهدافها والانتصار لمشاريعها التوسعية التي لم تتوقف طهران في تنفيذها عند حدود العراق واتجهت لبناء ورعاية مليشيا في عدة دول عربية كلبنان والعراق وسوريا واليمن، ودعمها بالمال والسلاح وتوجيهها لشن حروب عبثية لإضعاف الأنظمة واجبارها على توجيه سياساتها نحو قضاياها الداخلية والتخلي عن القضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
اليوم وفي ظل المشهد الدامي الذي انتجته شعارات الموت وتحرير الأقصى الذي ترفعه طهران وتنفذه أذرعها المنطوية تحت ما يسمى محور المقاومة، تتجلى الكثير من الحقائق التي تؤكد أن القضية الفلسطينية ليست سوى عنوان للمشروع الإيراني الذي يشير تنفيذه بالتزامن مع المشروع التوسعي الإسرائيلي إلى تخادم بين تل أبيب وطهران.
ووفقا لمراقبين فإن تقديم طهران نفسها كوصية على فلسطين واستلاب إسم المقاومة من صانعيه الحقيقيين، أعاد القضية الفلسطينية إلى ما قبل (أوسلو) وبدد حلم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، مشيرين إلى أن تبني طهران لأحد فصائل المقاومة الفلسطينية أدى إلى تمزيق وحدة الصف الفلسطيني ودعم مساعي إسرائيل في التراجع عن اتفاق أوسلو.