في وقت كالذي نعيشه الآن في اليمن، نجد أنفسنا في أمس الحاجة إلى مشروع وطني جامع، كما تستدعي الظروف والأوضاع التي نكابدها اليوم منا نبذ خلافاتنا أيا كانت، أو على الأقل تأجيلها ووضعها في هامش المؤقت، ولم الشمل والالتحام ببعضنا في موقف واحد ورأي موحد، بل ومترس واحد أيضا، للذود عن أنفسنا والدفاع عن وطننا وعن تاريخنا وموقعنا في خرائط الوجود، وحماية ما تبقى لنا من كرامتنا وكرامة وطننا، والمحافظة على ما لم تستطع يد الشر بعد الوصول إليه من منجزات ومكتسبات، بذلنا، نحن وآباؤنا وأجدانا، الغالي والنفيس من الوقت والجهد والأرواح والدماء لنحققها..
ولا يكاد يتعارض أينا مع أي منا في أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، كمعنى وقيمة وكمنجز تاريخي وحتى أهدافا، هي أكثر رمز كان وما يزال يستطيع أن يكون معادلا موضوعيا ومعنويا للوطن الواحد والشعب الموحد، الذي كثيراً ما وقف في وجه الأعاصير ولم يكتف بالصمود أمامها، بل ألحق بها الهزائم.. حد أن هذا الحدث العظيم وصلت وتصل الرؤية الجمعية تجاهه إلى وضعه في مقام المقدسات الوطنية العليا، والاعتقاد شبه اليقيني، بأنه يوم ميلاد الوطن، بالرغم العراقة والأصالة التاريخيين لليمن الذي يوضع في الصف الأول للحضارات البشرية التأسيسية..!!
نعم هناك من تعارض أو يتعارض مع هذه الثورة/الهوية، ولكنه تعارض مرتبط بموقف شخصي بحت أو بنفعية شخصية أو فئوية محدودة، وهو تعارض سطحي لا قيمة له بالنظر إلى مكانة سبتمبر العظيم.. وكثيرا ما حاول أشخاص وربما جماعات وفئات قليلة لتلك الأسباب المذكورة، تشويه وجه هذا الحدث التاريخي، ولكن دائما ما تغدو تلك المحاولات مجرد هباء أو عبث، سرعان ما يكشف الأقنعة عن الوجوه السوداء والمسودة، التي تتمترس للحقائق وراء ظلامية رجعية بائدة لم يعد لها من أثر فعلي أكثر من استحقاقها لللمقت والازدراء..!!
اثنان وستون عاما مضت من الزمن، وهذه الثورة ما تزال تهتف ليس من أعالي الذكريات ومن بطون المؤلفات والصور والحكايات وحسب، وإنما ما تزال تعلن عن الحضور الحي في تفاصيل وجودنا كيمنيين، وما تزال الحاجة إلى تمثلها واستحضار أهدافها وقيمها الوطنية والثورية حاجة ملحة، ولا يمكن بأي حال التعامل معها كحدث مر ومضى، ولا يمكن أبدا تجاوزها لتصبح هامشا أو يدركها استغناء، سواء أكانت الأحوال في طور الرخاء والبناء والتنمية، أو في مواجهة المعترضات القسرية الصعبة وعواصف المتغيرات السلبية..
إننا اليوم في أمس الحاجة لاستحضار هذه الثورة الأم، والتشبع بأهدافها الصالحة لكل زمن، محتاجون بالضرورة لأن تكون سندا لنا ومرجعا لوطنيتنا وانتمائنا، وإن بلغ عمرها أي مبلغ، فالزمن ليس كفؤاً ولا قادرا على محو مثل هذه العلامات التي تستمد ضوءها وأصالتها من استطالة واستدامة الحاجة إليها.. علماً أن الثورات الحقيقية لا تموت ولا تشيخ، ومن المؤكد بلا خلاف أن 26 سبتمبر أكثر تمثلا ودلالة على ذلك.. فحاجتنا اليوم إليها وفي هذه الظروف القاسية والمجحفة، هي أعلى مستويات الحاجة لسند مكين ومتين، يبقينا أقوياء وصامدين في وجوه المشاريع التآمرية، التي تحيط بنا وتحيق بوطننا، وكأنها أفاع سامة تحاول الفتك بنا وبكل مشاريعنا الهادفة للحياة والاستقرار والتنمية..
اليوم وقد بعثرتنا الأحداث والأهداف والتآمرات، يجب علينا أن نؤمن فعليا بأن التجمع أو بالأصح إعادة التجمع حول 26 سبتمبر، هو المشروع الوطني الجامع والموثوق لكل أبناء اليمن، إن أردنا هدم المشاريع المضادة الهدامة والمستهدفة لنا ولوطننا.. ولذلك فإن علينا، ونحن نحتفي بسبتمبر، أن نجعل منه ضوءنا وسلاحنا وحكمتنا ومشروعنا الواحد الموحِّد، إن كنا حقا نأمل في النجاة مما يخطط لنا من مؤامرات، لأن مخططات الأعداء تبدو محكمة الغدر والإحاطة، ولم تترك لنا من مساحات ممكنة كما يخيل لها.. إلا أننا ما نزال نتسلح بهذه الثورة العظيمة وأهدافها، وهي كفيلة بأن تعيد إلينا يمنيتنا وأن نضمن بها وعبرها واستناداً إلى أهدافها الحفاظ على يمننا والتمسك بهويتنا