بأكثر مما كان متوقعاً من اليقين، ظهر السيناريو الذي وضعته أمريكا للأحداث المتعلقة بالرد الإيراني على إسرائيل، بعد قصفها السفارة الإيرانية بدمشق، وقتل قيادات وشخصيات دبلوماسية إيرانية.. ظهر ركيكاً ومهلهلاً وكأنه بروفة لكاتب مبتدئ لم يخبر شيئاً في علوم السياسة والتكتيك الاستراتيجي والعسكري.. وليبدو في الأخير عند الأداء والتنفيذ، عملاً كل مكوناته وشخوصه وتفاصيله تنم عن فضيحة تاريخية لا سابق لها..!!
تقاسمت أمريكا وإسرائيل وإيران الأدوار في هذا السيناريو/ الفضيحة بين كاتب ومخرج ومنفذ، وكل دور بدا أقبح من الآخر، إلا أن دور المنفذ (إيران) كان الأقبح على الإطلاق باعتبارها المعنية برد الاعتبار لنفسها، بعد ذلك الهجوم الذي استهدف سفارتها، متجاوزاً كل الأعراف والمواثيق الدولية ومحدثاً خسارة، ليست الأولى من نوعها في كيان الدولة الإيرانية، التي تتباهى بكونها واحدة من أقوى دول المنطقة..!! فمنذ أشهر خلت وإسرائيل تفعل فعلها، وتصطاد القيادات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان بشكل شبه يومي قبل وحتى بعد هذا الحدث..!!
لقد نزع ما سمي بالرد الإيراني على إسرائيل، آخر غطاء شفاف عن وجه الواقع الذي تعيشه العلاقة بين أمريكا وإيران وتخادمهما في المنطقة العربية، وأكد بما يشبه اليقين، مزاعم كون الأولى تستخدم الثانية استخداماً قذراً وترتكز عليها، كما أسلفنا في مقال سابق، كعصا تتكئ عليها في نفوذها في المنطقة وتهش بها على شعوبها وأنظمتها..!!
ولقد أكد هذا السيناريو ركيك الحبكة لكل شعوب المنطقة أننا كعرب نتعرض بالفعل لاستغفال واستحماق غير مقبول، من قبل أمريكا وشركائها المنتفعين معها، من إثارة الفوضى والقلقلات السياسية والعسكرية في هذا المكان الجغرافي الذي شكل منذ قرون ولا يزال يشكل مطمعاً ومقصداً للاستهداف من قوى الشر الاستعمارية، التي توصف اليوم بالعظمى، والتي لا نرى من عظمتها في منطقتنا تحديداً، غير كونها قوى غازية وطامعة، وتصر على المحافظة على جشعها، وصفاتها الاستعمارية التاريخية القذرة، على حساب أوطان وشعوب مقهورة ومستضعفة وشبه مستعبدة..!!
إن المدقق اليوم في تفاصيل ما يجري في المنطقة يلحظ الاندفاع الكبير من قبل الغرب وتحديداً أمريكا وبريطانيا وربيبتهما إسرائيل باتجاه إشعال الفوضى في أطراف وأنحاء المنطقة، وإبقائها في حالة ارتباك وهيجان، وذلك من خلال افتعال أحداث وتقلبات تقودها في الغالب جماعات ومليشيات تقف من ورائها أمريكا وبريطانيا وربيبتهما، وبذكاء مفرط، بحيث أن تلك الجماعات والمليشيات والتنظيمات لا تفتأ تعلن عداءها ظاهرا لأمريكا والغرب المحتل، بينما هي في حقيقتها من صنعه وتمويله وتخطيطه ووجدت حقيقةً من أجل خدمته وتنفيذ أجنداته..
التساؤل الذي يفرض نفسه لزاماً في كل ما حدث ويحدث، وخصوصاً في ما سمي بالرد الإيراني، هو هل بالفعل أمريكا ودول الغرب بهذا المستوى المتدني في الإدارة والقيادة، ليظهر هذا السيناريو وأحداثه بهذه الركاكة والتهلهل..؟! أم أن هناك تعمداً ليبدو الحال كما بدا عليه..؟! والإجابة لن تخرج عن الاعتراف بأن دهاء الغرب لو كان بهذا المستوى الضعيف، لما كان اليوم مسيطراً على المنطقة برمتها، يشعل عواصفها ونيرانها ويطفئها متى وحيث أراد.. وإنما هناك تعمد واضح ليبدو الحال كما هو اليوم، بما يساعد على إحداث رفض وثورة عارمين في أوساط الشعوب، يقودان إلى مزيد من الفوضى والهيجان اللذين تعتمد عليه دول الاستعمار في إطالة بقائها والإفادة من موقعها الجغرافي واستنزاف مواردها وطاقاتها ونهب ثرواتها.