فضيع ذاك الذي فعله الحوثيون وخصومهم معا في صعدة.. كأنهم اتفقوا على أن يكونوا فريقا واحدا.. طرف ضعيف فيه يستلم، وطرف يستسلم وهو في بيئة طويلة عريضة تمكنه من المقاومة والنجاة.. مقاتلون تراهم يرمون أسلحتهم وذخائرهم كأنهم ساخطين منها، وإن شئت قل إنهم سيقو إلى الحرب دون دربة او تدريب.. أكوام من البنادق هنا وهناك.. مركبات ومدرعات ودبابات من الطراز الحديث، وزاد الحوثيون يحرقوها بسلاحهم الذي يسمونه منظومة الولاعة!
لقد كان يوم الأحد الماضي يوما حوثيا بامتياز.. كبريات وسائل الإعلام العربية والدولية تناقلت كلام ناطقهم يحيى سريع وصور العملية التي سموها نصر من الله، بينما هي نصر وهب لهم من الشرعية لوجه الله! أما هؤلاء الأخيرين فقد كانوا في حالة صم بم - حتى كتابة هذه السطور- وعذرهم معهم لأن الصدمة ثقيلة.. والصفيق المتذاكى باسمهم قال للمستمعين إنها تمثيلية مثلها الحوثيون تمثيلا محكما.. يعني صور المكان المكشوف وصور الأسرى والجرحى، وكل تلك الأسلحة الحديثة والذخائر جلبها الحوثيون من أمريكا وكندا وبريطانيا إلى صالة مسرحية هزلية!
هناك أمور ربما تساعد المفسرين على التفسير... الدعوة التي وجهتها توكل كرمان: الى الاصلاحيين خاصة واليمنيين عامة، أعظم انسحاب في التاريخ سيكون حين تسحبون افرادكم ومقاتليكم من الحد الجنوبي، تلك ليست حربكم ولا حرب اليمن، وجودهم هناك مجرد مرتزقة يقاتلون لصالح عدو تاريخي لبلادهم.. وبعد توكل دعاهم الشيخ حسن أبكر- الرئيس التنفيذي لفرع حزب الإصلاح في محافظة الجوف- إلى العودة للداخل لمواجهة العدو الخارجي(أراد الامارات).. وكذلك الشيخ حمود المخلافي الذي أصدر بيانه المشهور: ندعو جميع أبنائنا من إقليم الجند - تعز وإب - المتطوعين للقتال في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، لسرعة العودة إلى جبهات الشرف والعزة والكرامة في محافظة تعز.. وهذا الإصلاحي الذكي الحميري خطيب الثورة الشعبية- الشبابية في شارعي الستين والدائري بصنعاء الذي عينه الرئيس هادي نائبا لوزير الإعلام، طالما حدث الإصلاحيين أن قادتهم في السعودية واقعين تحت الإقامة الجبرية، وأن الضربات الجوية التي تستهدف المقاتلين ليست خاطئة كما يقول ناطق التحالف بل متعمدة.
ولو رجعنا إلى تاريخ تلك الدعوات، وجدنا أنها صدرت قبيل وأثناء وقت العملية التي بدأت يوم 25 اغسطس حسب ما ذكر يحيى سريع.. لا أعتقد أنه يمكن فهم ما حدث فهما سليما بمعزل عن العداء القطري للسعودية، أو تناسي دور قطر في دعم الحوثيين لإلحاق الضرر بالمملكة، أو باستبعاد تأثير قياديين إصلاحيين مؤثرين مثل توكل كرمان والحسن أبكر وحمود المخلافي، والحميري، وغير هؤلاء أيضا، فلدى قطر إصلاحيين كثر يعملون لحسابها، أكانوا في صنعاء أو مأرب أو في تركيا أو هولندا أو في قطر نفسها.. على أننا نرجح تأثير كرمان والشيخين المخلافي وأبكر، كما نرجح صحة التوقيت الذي ذكره سريع وهو 25 أغسطس، لسبب قد يبدو لنا وجيها.. ففي يوم 30 أغسطس أرسل إلينا من نثق به يقول: لقد وقعت قبل أربعة أيام مجزرة حقيقية لأصحابكم في الحدود الشمالية، وتحديدا في مديرية كتاف صعدة.. قلت: أي أصحاب تعني وماذا حدث لهم بالضبط؟ قال: لواء عسكري يضم آلاف المقاتلين التعزيين والإبيين وبعض الجنوبيين تركهم الحوثيون يتعمقون بين الجبال في صعدة مسافة تقترب من 25 كيلو متر، ثم أغلقوا عليهم المنافذ والمخارج من جميع الجهات وهجموا عليهم.. قلت: كم؟ قال: نحو 1700 قتيل وجريح وأسير، بينهم قرابة800 من تعز والبقية من إب ومحافظات جنوبية عدة، وقلة قليلة من الجوف، أما العتاد العسكري فيكفي الحوثيين لكي يستمروا في الحرب سنة أخرى.
وفي رسالة أخرى كتب يقول: قيل إن مراسل العربية محمد العرب كان بينهم وهو الآن يتداوى في مستشفى 48 بصنعاء وطلب من المداويين إبلاغ قناة العربية الحدث أنهم وصلوا صنعاء، لكن هذه سخرية فحسب!